الجمعة، 5 مايو 2017

الإرهاب .. إعادة رسم الأنساق



الإرهاب  .. إعادة رسم الأنساق


                                                        د.فهد بن نايف الطريسي
أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف

    يقال ان ما يؤلم الشجرة ليس الفأس، ما يؤلمها حقا هو ان عصى الفأس من خشبها. كانت يد الغدر الإرهابية قد امتدت على رجال الأمن.لتستمر العمليات الإرهابية ويستمر نزيف الدم الطاهر لشهداء الواجب، ولا أحد يدري نهاية هذه الحرب على الإرهاب، فهي حرب تحتاج لصبر طويل وعزيمة راسخة، فأمامنا مواجهة لا تنتهي، مواجهة ثقافية ، دينية ، أمنية ، مجتمعية ، لمحاصرة الإرهاب والتضييق عليه، والضغط على عجينة إرادته حتى ترتخي، إنها مسألة زمن. تحتاج محاربة الإرهاب لإعادة رسم السياسات الثقافية والتعليمية من جديد لنزع أي تعاطف محتمل مع التيار المتشدد، ويحتاج هذا إلى مزيد من تحرير الإعلام وتطويره ودعمه ماديا بشكل متواصل، ويحتاج أيضا إلى إعادة رسم ملامح المؤسسات الدينية، حقيقتها شكلا وموضوعا، وتطوير خطاباتها الموجهة إلى شرائح المجتمع المختلفة. ويكون ذلك من خلال وضع رؤية ورسالة وأهداف لهذه المؤسسات اي وضع خطة إستراتيجية تكون محددة بمدة زمنية وخلال كل سنة يعاد تقييم إدارة هذه المؤسسات وهذه الخطة. إضافة إلى تأطير ذلك بقوة القانون من خلال تفعيل الأنظمة القانونية والنهوض بالمؤسسات ذات الصلة التي تعاني من انها تُشغل ويتسنم قيادتها غير المتخصصين. ان تقييم وتقويم أداء هذه المؤسسات حاجة ملحة وضرورية.

إن الحرب على الإرهاب مكبوحة بعدة أنظمة ثقافية ودينية واجتماعية، وهي معرقلة لها، وفي بعض الأحيان مناهضة لها، ونحن هنا نقف وسنقف حتما أمام التساؤل الجوهري الحتمي؛ هل نحن قادرون وراغبون في التغيير؟ هل نمتلك آليات التغيير والدعم السياسي له ؟ هل نحن متأهبون للخروج من حالة التنميط الثقافي السائد انطلاقا إلى سعة الأفق العالمي؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة البسيطة هي مؤشر النصر أو الهزيمة في الحرب على الإرهاب ، فليس السلاح والأمن فقط هما آليتا دحر الموج الإرهابي ، نحن نحتاج إلى قلب الطاولة وإعادة رسم الأنساق الثقافية والدينية والمجتمعية والتعليمية والإعلامية من جديد .. إنها حالة تطوير متواصلة لتغيير  في العقل الجمعي ليحمل هو بنفسه؛ وبدون حاجة إلى تسيير؛ راية مكافحته ومحاربته للإرهاب .. ونواصل ..



الضغط والابتزاز عبر قانون جاستا

الضغط والابتزاز عبر قانون جاستا
د. فهد بن نايف الطريسي
استاذ القانون المشارك بجامعة الطائف

 وقف أوباما موقفا مناهضا لمشروع قانون العدالة ضد رعاة الارهاب  جاستا؛ إلا أن موقفه كان سياسيا أكثر منه قانونيا ، فالنظام القضائي في الولايات المتحدة لا يجعل للعرف الدولي سموا على التشريع الداخلي ، بل يجوز لهذا الأخير أن يخالفه ، مما يجعل سن هذا القانون متمتعا بالمشروعية الإجرائية ، ولا يبق أمام أوباما سوى توجيه النقد السياسي كما حدث بالفعل حين أشار الى أن المعاملة بالمثل -وهو مبدأ في القانون الدولي العام- يمكن أن يؤدي إلى محاسبات مختلفة لمسؤولين وجنود أمريكان ، وهذا ما يجب على دولة عظمى ذات نفوذ سياسي وعسكري عالمي أن تتجنبه.
على العموم فإن القانون جاء بقواعد عامة مجردة ، فهو لم يشر إلى المملكة العربية السعودية ، وبالتالي فهو موجه لكافة الدول ، وعليه فإن ردود الفعل عليه يجب ألا تنحصر في رد المملكة فقط ، بل على المملكة إنشاء تحالفات إقليمية ودولية ضد هذا القانون ، لا سيما أن القضاء الأمريكي قضاء يمكن أن توجه له الكثير من الانتقادات من حيث حياده سياسيا ، فأغلب القضايا التي يكون أحد خصومها عربيا لا تخلو من انحياز فما بالنا والقضايا ستوجه الى دول بأكملها. ولذلك لابد من التعامل مع القانون بجدية وبقوة ، فلأمريكا مصالح وتحالفات سياسية واقتصادية مع المملكة ومن الممكن أن تشكل ورقة ضغط. على أية حال أنا لست سياسيا ولذلك سأتعرض فقط الى المحتوى القانوني ، وذلك من زاويتين ، الأولى هي ما يشكله القانون من ضغط قضائي على الدول المدعى عليها من خلال توسيع المسؤولية المدنية ، والزاوية الثانية ؛ هي الخلط بين القانون والتفاوض السياسي الذي يقترب من كونه ابتزازا ماليا. على النحو التالي:
(أ) الضغط:
نص هذا القانون في فقرته ب من المادة الرابعة على أنه لن تكون هناك دولة أجنبية محصنة أمام السلطات القضائية للمحاكم الأمريكية في أي قضية يتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية نظير اصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو نتيجة لحالات وفاة تحدث في الولايات المتحدة وتنجم عن:
1- فعل من أفعال الارهاب الدولي يتم في الولايات المتحدة.
2- عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر من الدولة الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه أو وظيفته أو وكالته بصرف النظر عما إذا كانت العمليات التقصيرية أو أفعال الدولة الأجنبية قد حدثت أم لا.
(د) لا تخضع دولة أجنبية للسلطة القضائية للمحاكم الأمريكية وفقا للفقرة (ب) على أساس الإغفال أو أن الفعل التقصيري أو التصرفات تشكل مجرد إهمال.
ويلاحظ أن المضمون الإجمالي لهذا القانون يكاد يكون محصورا في هاتين الفقرتين، كما أن القانون قد استبعد المسؤولية الجنائية واكتفى بالمسؤولية المدنية والتي وسع من نطاقها لتشمل المسؤولية التقصيرية أي الخطأ الذي ترتكبه الدولة الأجنبية والذي يؤدي الى الفعل الإرهابي ، كما أن القانون اقتصر على الجرائم الإرهابية الواقعة داخل الولايات المتحدة الأمريكية ؛ ومن ثم تخرج عن نطاق هذا القانون الأفعال الإرهابية الواقعة في دولة أخرى كتفجير السفارة الأمريكية في كينيا، أو الواقعة في أعالي البحار أو في الاقليم البحري لدولة أخرى كما قد حدث مع المدمرة الأمريكية كول. ومنذ البداية خالفت هذه المادة قواعد وأعراف القانون الدولي والتي ترتفع الى سموها على الدستور كما هو الحال بالنسبة لسمو اتفاقيات ومعاهدات الاتحاد الأوروبي الى مستوى أعلى من دساتير الدول المكونة للاتحاد الأوروبي، غير أن القضاء الأمريكي قد ساوى بين الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وبين القانون الداخلي ومن ثم فإن قانون العدالة ضد رعاة الارهاب  ( جاستا ) يلغي الاتفاق الدولي حول حصانة الدول ، ولا شك أن هذا القضاء إنما يستمد قوته من كون الولايات المتحدة دولة عظمى رغم أنه بذلك ينتهك الأعراف الدولية.
ولا شك أن أخطر فقرة في هذا القانون هي الفقرة التي نصت على نهوض المسؤولية لمجرد أفعال تصدر من .... أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه أو وظيفته أو وكالته بصرف النظر عما إذا كانت العمليات التقصيرية أو أفعال الدولة الأجنبية قد حدثت أم لا. فهذا يعني أن الدولة تتحمل تبعة أعمال موظفيها ووكلائها إذا قاموا بهذه العمليات الإرهابية رغم عدم تورط الدولة المباشر في هذه الجرائم الإرهابية.
وقد حاول القانون التخفيف والتلطيف من حدة وقسوة هذه المادة التي توسع المسؤولية الى مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع الى انعدام المسؤولية إذا كان الفعل التقصيري أو التصرفات تشكل مجرد إهمال.
ولكن القانون لم يوضح الفرق بين الخطأ التقصيري والإهمال، وبالتالي يخضع تحديد درجة التمييز بين الخطأ والإهمال لتقدير قاضي الموضوع.
(ب) الابتزاز:
يظهر هذا الابتزاز في المادة (5) والتي أجازت وقف الدعاوى المرفوعة مع الدول أو الدولة المعنية عبر السلطة القضائية عبر سعي المدعي العام وذلك إذا شهد وزير الخارجية بأن الولايات المتحدة تشارك في محادثات بنية حسنة مع الدولة الأجنبية المدعى عليها بغية التوصل إلى حلول للدعاوى المرفوعة على الدولة الأجنبية وذلك لمدة 180 يوما تمدد الى 180 يوما أخر أي سنة كاملة.
أليس هذا التفاوض هو ابتزاز كامل للدولة المتفاوضة حول تقديم تعويضات للمصابين الأمريكيين.
إن هذا القانون هو تقويض لقواعد العدالة ويفرض الهيمنة على الاصدقاء قبل الاعداء، ويجب على الاسرة الدولية ان تقف ضد هذا القانون و أن تواجهه  بقانون مماثل يوقف أي ضغط او ابتزاز أمريكي لها.














نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية د.فهد بن نائف الطريسي أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف ...