الجمعة، 28 يوليو 2017

القضاء- بين المجانية والتكاليف وفق مشروع نظام التكاليف القضائية المقترح

 القضاء- بين المجانية والتكاليف
وفق مشروع نظام التكاليف القضائية المقترح

ثار جدل فقهي طويل جدا وتاريخي حول مدى ضرورة مجانية اللجوء إلى القضاء ؛ لن نفصل في ذلك الجدل كثيرا وانما سنشير اشارة عابرة الى حجج الطرفين. فمن يقولون بمجانية القضاء يستندون الى عدة استنادات بعضها قانونية وبعضها اجتماعية عدلية ، اما القانونية فهو أن لجوء الفرد الى قاضيه الطبيعي هو حق كفلته الدساتير والأنظمة الأساسية وفرض تكاليف على الفرد ليلجأ الى قاضيه الطبيعي يعني عرقلة استخدام الفرد لحقه هذا وبالتالي فإن هذه العرقلة تشوبها شائبة عدم الدستورية ، ومن جانب اجتماعي عدلي فإن فرض رسوم على التداعي القضائي يؤدي الى ترك الفقراء حقوقهم لمن يسلبها نتيجة عدم قدرتهم المالية للجوء إلى القضاء ، وهذا يعتبر من وجهة أخرى انتهاك للعدالة التي يجب أن تتغياها انظمة الحكم وادارة الدولة كما ان القضاء ولكي يضمن حياديته ونزاهته  يجب أن يؤدي عمله دون ان يطلب مقابلا على ذلك فالعدالة ليس لها ثمن  ، الا ان الفريق الآخر رد على ذلك بأن فرض رسوم على التداعي القضائي وكافة الطلبات المقدمة الى جهة القضاء يحول دون تفشي ظاهرة الدعاوى الكيدية والصورية التي لا سند لها مما يرهق كاهل القضاء بهذه الدعاوى الزائفة بدلا عن توجيه جهده الى النظر في الدعاوى الحقيقية والجادة . بالاضافة الى ذلك فإن وضع رسوم على الدعاوى لا يتم بدون تدرج بحسب قيمة الدعوى والاجراء المطلوب فلا تتساوى قيمة الدعاوى مع بعضها فالدعاوى المليونية والملياريةتكون رسومها اعلى من رسوم الدعاوى التي لا تتجاوز بضعة الاف من الريالات ، وفي عدم فرض رسوم على الدعاوى المليارية تضييع لحق القضاء في أخذ نسبة من قيمة هذه الدعاوى لتصرف اداريا لفائدة تطوير العمل القضائي ، كما ان فكرة فرض رسوم لا تخل بحق الفرد في اللجوء الى قاضيه الطبيعي لأنها لم تصادر على أصل هذا الحق بل نظمته ، أما بالنسبة للفقراء وغيرهم فكما سبق القول لن يخضعوا لفرض رسوم على الدعاوى التي يرفعونها وفق تقدير القضاء لحقيقة فقر المتداعي ، بالاضافة الى ان الخصم عندما يحكم لصالحه انما يسترد ما دفعه من رسوم في الدعوى وايضا اتعاب المحاماة وهذا يمنع المدعى عليه من التمادي في نفي المسؤولية عنه لأن كل هذه المصاريف والرسوم سوف يردها هو حينما يحكم ضده . كذلك فإن فرض رسوم قضائية سيجبر الأفراد على تغليب الصلح بينهم وحل نزاعاتهم وديا وسلميا . 
ويبدو ان المنظم السعودي قد مال أخيرا الى اعتبارات الرأي الثاني فها نحن نشهد مشروعا لنظام التكاليف القضائية .
وقد وضح مشروع النظام الغرض منه  في المادة الثانية حين أشار الى ان الغرض من القانون كبح الدعاوى الصورية والكيدية وتوجيه المتقاضين الى طريق الصلح والحث على توثيق واثبات التعاملات والعقود . 
وبالنسبة للمخاوف المثارة حول اشكالية عدم قدرة بعض الاشخاص على دفع رسوم التقاضي والاجراءات القضائية .. نجد ان مشروع القانون قد راعى هذا الجانب من عدة محاور... فعبر نطاق تطبيق القانون عينيا ،  فهذا النظام لا يطبق على الدعاوى الجزائية وهذا سببه ان المختص اولا برفع الدعاوى الجزائي هو النيابة العامة .  والدعاوى والطلبات المتعلقة بالتنفيذ ، واهم شيء والنقطة الجوهرية أن هذا النظام لا يسرى على دعاوى الأحوال الشخصية مراعاة لأن هذه الدعاوى غالبا تتعلق بأطراف ضعفاء كالمرأة والطفل . 
ومن محور آخر فإن المشروع لم يفرض دفع الرسوم مقدما للسير في الدعوى فالمادة الثانية عشر منعت وقف السير في الدعاوى لمجرد عدم دفع الرسوم كما ان المواد اللاحقة لها أخذت في الاعتبار ان المدعي قد يحكم لصالحه ومن ثم يكون المدعى عليه هو الملزم قانونا بدفع التكاليف ومن ثم فلا يجب حرمان شخص من اللجوء الى القضاء مادام كان صاحب حق حقيقة لا ادعاء ولا كيدا . واما المادة السابعة عشر فقد نصت على من يتم اعفاءهم من دفع الرسوم ومنهم المسجونون والموقوفون والدعاوى التي يرفعها العمال نسبة لأن العامل غالبا ما يكون فقيرا .
اخيرا فإن فرض هذه الرسوم لا يذهب الى السلطة التنفيذية او التشريعية (التنظيمية) في الدولة وانما يتم ايداع مبالغها في حساب خاص يخصص للصرف على مشروعات تطوير القضاء وفقا للمادة التاسعة عشر.
وهذا وفق تقديري الشخصي يعني ان فرض الرسوم القضائية لم يكن الدافع اليه هو أزمة اقتصادية بل هو بالفعل منعا لارهاق القضاء بقضايا كيدية وصورية تتكدس لتخفي وراءها دعاوى وقضايا حقيقية يجب ان يوجه اليها القضاء جل وقته.

نشر في جريدة الجزيرة

http://www.al-jazirah.com/2017/20170728/rj1.htm

السبت، 15 يوليو 2017

العام الدراسي الجديد

العام الدراسي الجديد

22 سيبتمبر 2013
د.فهد بن نايف الطريسي

هناك مقولة سائدة عند علماء البرمجة اللغوية العصبية ، وهي أنه لا أحد يبدأ من الصفر . لأن الصفر عدم والعدم لا ينتج سواه. ولكن هناك إرادة ننطلق منها ، وهناك مكونات لهذه الإرادة. وهذه كلها مركب قوة محركة للإرادة أودعه الله فينا لتعمير الأرض. ثم وعي يتحد بالإرادة ليكوِّنا الطاقة الأولى للبناء. إذاً؛  نحن لا نبدأ من الصفر ، بل على العكس نحن نبدأ دائماً من ملكيتنا للإرادة والوعي وهما هبتان من الله سبحانه وتعالى. وهما أساسٌ لكل شيء. بلا إرادة لا نستطيع السيطرة على ما حولنا ، ومن غير الوعي ، تكون سيطرتنا عشوائية وخطرة.
إذا ً؛ فإن العام الدراسي الجديد ، لا يعني أننا نبدأ من الصفر ، بل نبدأ أولاً من القوة الذاتية وهي القوة النشطة (الإرادة) ، ثم قوتنا الذهنية وهي الوعي. هذا الوعي تشكله تراكماتنا المعرفية التي اكتسبناها خلال حياتنا منذ الطفولة من الأسرة والمجتمع والمدرسة وسنواتنا السابقة في الجامعة ونظل نكتسبها علماً وعملاً إلى أن يقضي الله بأمره ؛ ولكل أجلٍ كتاب.
إن بداية العام الدراسي هي بداية عمياء من توقعات الدارسين ، إن الأمر ينطلق لديهم -وبشكل أوَّلي- من التساؤل حول سهولة أو صعوبة المقرَّرِ الدِّراسيِّ. والواقع أن هذا التساؤل خاطئ تماماً. فلا يوجد منهج دراسي سهل ، كما لا يوجد منهج دراسي صعب. كل ما في الأمر أن التقييم يجب أن يبدأ بالنقطة الأولى الحقيقية ، وهي: هل نريد أن يكون المقرر سهلاً هذا العام بخلاف السنوات السابقة أم نريده صعباً. نعم فالطالب هو من يريد وليس المقرر. إن الطالب هو من يحدد منذ البداية إذا ما كان سيسمح للمقرر بأن يسيطر عليه ، أم يسيطر هو على المقرر. فإذا اتجهت إرادة الطالب إلى السيطرة على المقرر منذ البداية فسوف ينتهي إلى إلمام تام أو شبه تام به. ولا شك أن هناك عوامل كثيرة تلعب دورها في بذرة الإرادة لدى الطالب؛ منها العامل الأساسي وهو الوعي العام بأهمية المرحلة ، كما أن للمراحل السنية وما يصحبها من تغيرات فسيولوجية وسايكولوجية دور في جذب الطالب إلى خارج قاعة المحاضرات أو إلى داخلها.  
كذلك فإن الشغف الخاص بعلم من العلوم أو بفن من الفنون أو رياضة ما ؛ يلعب دوراً في إنجذاب الطالب إلى الدراسة أو النفور منها.هذا بالإضافة إلى العلاقات الإجتماعية مع الزملاء والدكاترة. لذلك فإن عملية توجيه الطلبة توجيهاً معنوياً وفكرياً يجب أن تكون قائمة كآلة من الآليات الداعمة لمنظومة التدريس في الجامعة. وأن نجاحها مرهون بجدية طرحها للطلاب بالإضافة إلى قابلية الطالب نفسه للتغيُّر والتَّعلُّم والإستفادة من المقررات الدراسية.
أخيراً أتمنى أن يكون هذا العام الدراسي عاماً تنطلق فيه قدرات الشباب من الطلاب نحو الجد والجدية ، والمثابرة في وضع لبنة الإنطلاق لمستقبلهم العلمي والعملي ، والتأسيس لبنائهم الأخلاقي والديني. عملاً بالإرشاد القرآني العظيم حين قال عزَّ وجلَّ:
بسم الله الرحمن الرحيم
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ
عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)
صدق الله العظيم




المملكة العربية السعودية أمجاد الماضي وفخر الحاضر وتحديات المستقبل

المملكة العربية السعودية
أمجاد الماضي وفخر الحاضر وتحديات المستقبل
23 سيبتمبر 2013

إليكم ملوك الشرق كم عن مقالة *** ثناني حيائي والوفاء دعاني
ضَمِنْتُ بكم مجد العروبة خالداً *** على كرِّ دهر واختلاف زمانِ
"الشاعر على محمود طه ؛ في صباح اليوم العاشر من شهر يناير 1946، حين احتفلت مصر باستقبال العاهل العربي حضرة صاحب الفخامة جلالة الملك عبد العزيز آل سعود ".

ما سعت المملكة يوماً إلى مجدٍ زائف ، لا ولم تبلغ ما بلغته اصطناعاً وادعاءً ، إنما بلغته باتباع حكمة قادتها السياسية ، ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً . وما كان ذلك إلا اصطفاء من الله لا يبلغه إلا من نصرَ اللهَ فنصرهُ اللهُ ، معليِّاً من كلمة الحق والعدل وراية العز راية الإسلام.
ثم إن الله سبحانه وتعالى ؛ قد جمع أهل هذا البلد ، ولم يلبسهم شيعاً فتنة من لدنه ، بل وحَّدَهُمْ على قلب رجل واحد هو جلالة الملك رحمه الله وأرضاه ، عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته ، وأسكنه فسيح جناته .
بعد ذاك انطلقت المملكة إلى عصر الحداثة ؛ ومنذ مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين ، والمملكة تثب وثبات الواثق بالله تعالى ، فلم تتخاذل المملكة يوماً في دعم وحدة وأمن دول مجلس التعاون الخليجي ، وأشقائها العرب ، ولم تك تسعى من ذلك إلى الأضواء الكاذبة ، بل كانت تنطلق في سياستها من مبادئها وإيمانها الراسخ وعزمها الذي لا يلين. ولم تحاول المملكة الإلتفاف على القضايا المصيرية لأمتها لتتجاوز مسئولياتها التاريخية كقائدة سياسية واقتصادية.
إن المملكة لم يصنعها إعلام موجه زائف ، ولا مال يُغدق ، ولا تنطع نرجسي ، بل صنعتها مواقف وقناعات ، ومبادئ ، وقبل كل شيء إرادةُ الله سبحانه وتعالى ، هو الذي أعزَّها فأطعمها من جوع وآمنها من خوف ، وَمَنْ حولها مَنْ تتخطفهم الفتن . وإن الله لذو فضلٍ على النَّاس ولكن أكثر النَّاس لا يشكرون.
المملكة كدولة حديثة:
ربما يعتقد البعض أن معيار حداثة الدول هو نمطها الإقتصادي فقط ، لا سيما القطاع الصناعي، إلا أن الحقيقة ليست كذلك بالضبط ، إن الدولة الحديثة هي تلك الدولة التي تتأسس فيها الحقوق والواجبات على أنظمة متطورة ، تسبغ حمايتها على الجميع بمساواة وعدل. لقد انطلقت عملية التحديث في المملكة ببناء الأرضية النظامية لها. في كافة فروع الأنظمة ، كـأنظمة الإعلام والثقافة والنشر ، وأنظمة الأمن الداخلي ، والأحوال المدنية والأنظمة الجزائية ، وأنظمة التجارة والإقتصاد والإستثمار ، وأنظمة التعليم والعلوم ، وأنظمة الخدمات البلدية والتخطيط والتطوير الحضري ، وأنظمة الخدمة العسكرية والمدنية، والزراعة والمياه والثروات ، والسياحة والآثار ...الخ. مما يصعب حصره في هذه السانحة. ولكننا نشير إلى أهم منطلقات التحديث النظامي بثلاث أنظمة رئيسية هي : النظام الأساسي للحكم ، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق .
مجمل القول أن بنية الدولة الحديثة قد وضعت ؛ وعاماً بعد عام ، وعقداً تلو عقد ، ترسخت هذه البنية وأخذت تفاعلها الذاتي حكومياً وشعبياً ، وكرَّست لدولة المؤسسات.
ربما يعتقد البعض أن هذا الأمر سهل ، ولكنني - كخبير قانوني- أقول لكم وبملء فمي ؛ أنَّ هناك العديد من الدول لم تزل تعاني من ضعف هذه البنية الأساسية ، فالبناء النظامي للدولة يحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى إرادة سياسية ، مخلصة ، وحريصة على مصلحة الوطن ، وأن تمتلك إيماناً عميقاً بأهمية الأنظمة في تنظيم المراكز القانونية والواقعية المختلفة داخل الدولة. وبعد ذلك فإن البناء يحتاج إلى حفز كل الجهود والطاقات وتذليل كل العقبات أمام الفقهاء والعلماء ؛ لبدء عملهم بمنهجية متينة.
وإذا كان ما سبق هو البناء النظامي لمؤسسات الدولة ؛ فإن المملكة كانت من الدول العربية السبَّاقة في مجال حماية حقوق الإنسان ، فقد انضمت إلى إتفاقية مناهضة التعذيب ، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ، والإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ، وجميع إتفاقيات وبروتوكولات حماية الطفل.
حافظت المملكة  على تعهداتها الإقليمية التاريخية ؛ وكانت المصلحة الوطنية هي المحرك الأساسي في سياستها الخارجية  ، وكانت القضايا المصيرية المشتركة مع أشقائها في دولمجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ؛ هي الثابت الذي لا يتحول ، والذي لم تحاول المملكة أن تتاجر به ، فقضايا الأمة لا تقبل التنازل ولا التهاون ولا المتاجرة ، ولم تتزحزح المملكة عن مواقفها تجاه القضايا العربية والإسلامية.
وإذا كان ما سبق ينصب في قضايا وطنية وإقليمية ، إلا أن الأدوار الدولية التي لعبتها المملكة كانت محل احترام وتقدير وإشادة من كل أطراف المجتمع الدولي. كانت المملكة هي السباقة في دعم دور الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب ، والجريمة المنظمة ، وغسل الأموال ... وغير ذلك . وما ذلك رغبة منها في الظهور ، أو مجرد لعب دور يسلط عليها الأضواء ، لا .. بل كانت المملكة تدرك ما عليها من واجبات والتزامات تجاه المجتمع الدولي ، وأن العالم الذي يتعولم لا يتأثر وحده بقضاياه ، بل تتداعى آثار ذلك على كافة الدول وصولاً إلى المملكة – إن العالم بالنسبة للمملكة إذاً- هو العمق الإستراتيجي لأمنها القومي . وتأمين هذاالعمق هو تأمين لها أيضاً.
هكذا اتسمت سياسات المملكة بالهدوء والتركيز والثبات ، فلم تنجرف وراء طيش بيِّنٍ أو هوى جامحٍ أو نزوة عابرة أو أحلام دونكيشوتية.
إن الحديث عن المملكة يطول بعمقها التاريخي والحضاري ؛ وإننا إذ نطرح كل ما سبق إنما نطرحه لنؤكد على ثقتنا في قيادتنا نحو المستقبل ومجابهة التحديات ، ومؤكدين على تجديد العهد والبيعة على أن ندافع عن دولتنا ملكاً وشعباً حتى آخر قطرة من دمائنا . مؤمنين بأن الله ينصر من ينصره.
حفظ الله المملكة مليكاً وشعباً. وجعل لنا بمليكنا ذخراً وفخراً ومعيناً لنا في أمور ديننا ودنيانا.
د. فهد بن نايف الطريسي

وكيل عمادة السنة التحضيرية – جامعة الطائف

مدى الحاجة إلى قانون للأحوال الشخصية

مدى الحاجة إلى قانون للأحوال الشخصية

7 يناير 2014

أثار الاتجاه نحو سن قانون للأحوال الشخصية بالمملكة جدلاً نظريا واسعاً. لكن التساؤل الذي يفرض نفسه هو مدى حاجة مجتمعنا في الوقت الراهن الى مثل هذا القانون في ضوء التغيرات التي يشهدها المجتمع السعودي كجزء من العالم الحديث يتأثر به ويؤثر فيه. والأسرة السعودية اليوم أصبحت تواجه تأثيرا متزايدا عبر وسائل الاتصال الإعلام والتي نلمس تأثيرها في حياتنا اليومية. ولذا كان علينا أن نسعى إلى توضيح رؤيتنا المؤسسة على أرضية واقعية وعملية . وسوف نتناول ذلك في نقطتين :
النقطة الأولى : التجارب السابقة لبعض الدول :
إن العلم ليس مجرد نصوص ، وإنما فهم لهذه النصوص ، فالنصوص لا تسعى وحدها للتحرك في إطارها الواقعي متفاعلة اجتماعيا وثقافياً ..الخ ، وإنما تُحَرَّك عبر المفاهيم التي تحدد موقف المؤسسات منها ، وهذه الأخيرة هي المنوط بها نقل النصوص من تجريدها اللغوي إلى تفاعلها وتأثيرها على المجتمع .  والعلم هنا هو تراكمات معرفية نستفيد منها لنفهم الحاضر عبر الماضي . ورأيت في هذه النقطة أن ألتمس هدى مما أورده الشيخ الجليل علي حسب الله حول التجربة المصرية في شأن الأحوال الشخصية ، وذلك في مقدمته التاريخية بمؤلفه علم الميراث ، وقد نقل لنا الشيخ هذه التجربة الطويلة نقلاً رائعا ومحايداً ، وسوف نفاجأ بأن ما حدث قبل قرون على وجه العموم وقبل قرن في مصر على وجه الخصوص هو ما يحدث اليوم ، حيث بيَّن الشيخ أن ما أحدثه اتساع الدولة الإسلامية من اختلاف للقضاة والفتوى في الأحكام تبعاً لاختلافهم في معرفة النصوص وفهمها ، قد تفاقم في العصر العباسي ، حتى أحل لبعض الناس ما حرم على الآخرين ؛ لا في بلدين مختلفين فحسب ، بل في ناحيتين من نواحي البلد الواحد . وقد كتب ابن المقفع في رسالة الصحابة إلى أبي جعفر المنصور ، يقول:
((ومما ينظر فيه أمير المؤمنين ، .... ، اختلاف هذه الأحكام المتناقضة التي قد بلغ اختلافها أمراً عظيماً في الدماء والفروج والأموال ، فيستحل الدم والفرج بالحيرة وهما يحرمان بالكوفة ... ، فلو رأى أمير المؤمنين أن يأمر بهذه الأقضية فترفع إليه في كتاب ومعها ما يحتج به كل قوم من سُنَّةٍ أو قياسٍ)).
واستطرد ابن المقفع ذاكراً أن هذا الاختلاف قد أهم ولاة الأمور منذ أبي جعفر المنصور مروراً بالرشيد وغيرهم حتى ظهر التعصب والتقليد ، وغير ذلك من مساوئ.
وأورد الشيخ الجليل علي حسب الله ما حدث إبان التقنين المصري للأحوال الشخصية ، حيث قال:
"وعرض القانون للنقد فضاقت به صدور الذين يكرهون أن يدعوا ما وجدوا عليه آباءهم من قبل .. فثارت ثائرة طائفة كبيرة من رجال الدين ، حتى بلغ الأمر أخيراً مبلغه بصدور القانون ، ومع ذلك وحتى حين بدأت اللجنة الموكل لها وضع القانون في أعمالها ، ظهر الخلاف حول ضرورة النص على الأحكام قطعية الثبوت والدلالة ، ثم انتهى الخلاف حين انتصر الرأي الذي قال بأن (الأحكام المأخوذة من نصوص قطعية كالخاصة بأصحاب الفروض والعصبات لا يجوز أن نتعرض لها وإلا كان معنى ذلك أننا نريد تعديل أحكامها ولا نظن أن فينا من يريد ذلك ، لأن هذه الأحكام مأخوذة من كتاب الله وأمرها متفق عليه ولا عمل للجنة فيها إلا صياغتها) ".
وإذا استعرضنا ما ذكره شيخنا الجليل ؛ نستطيع أن نستنتج الآتي:
أولاً : أن المشاكل التي يثيرها عدم وجود تنظيم للمسائل محل الخلاف كثيرة ، منها اختلاف الأحكام وتحول القضاة إلى مفتين ، وعدم المساواة وهذا مما يجب تطهير القضاء منه ، بل هو مدعاة لسد الذرائع عبر توحيد الأحكام التي ما دامت لا تختلف مع الشريعة الإسلامية فلا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً، فلا مشكلة من تقنينه لتتوحد.
ثانياً: أن الجدل الذي ثار في المملكة هو أمر طبيعي ، وقد حدث عبر الزمان في الأمم السابقة والمعاصرة التي سبقتنا فيه ، و مرور الزمن قد أثبت وجهة النظر العملية المؤيدة لتوحيد الأحكام.
النقطة الثانية : اختلاف الفقهاء ، أثار الاختلاف حول المسائل في الفقه الإسلامي جدلاً واسعا ، تعرض له الإمام الطبري والمروزي وغيرهما .  

ومما سبق يمكننا أن نوضح لماذا نقف مع هذا القانون، بل ندعوا إلى النص على بعض القواعد الإجرائية ؛ مراعاة لخصوصية قضايا الأحوال الشخصية ، حيث أنها بحاجة إلى ضبط بيروقراطية العدالة ، لا سيما مع ما نلمسه من تأخر الفصل في الدعاوى وما يحدثه ذلك من أضرار نفسية واجتماعية على أطراف الدعوى والنساء على وجه الخصوص فهن اللائي أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام بهن ، فالعدالة البطيئة ظلم سريع.

دعوة للعلماء والأدباء والمثقفين لدعم المرحلة القادمة من مكافحة دوغمائية العنف


دعوة للعلماء والأدباء والمثقفين لدعم المرحلة القادمة من مكافحة دوغمائية العنف

د.فهد الطريسي
  
   أخيراً صدر الأمر الملكي بالقائمة المنتظرة لتنفيذ الأمر الكريم رقم 44 ، ليحدد تلك المجموعات الخطيرة التي تقودها دوافعها الدوغمائية بجهالة لا تراعي قضايا الأمة المصيرية ولا سلامة أمنها جماعة وأفراداً.
منذ وقت طويل كنا ننادي بأن تراعي الأنظمة أن هذه المجموعات لا يمكن محاصرتها عبر قواعد سلوكية لا تتجاوز الصياغات اللغوية التي تعاني هي بذاتها من إشكاليات تقنية كثيرة ، كمشكلة اتساع التفسير ومبدأ الشرعية وخلافهما من إشكاليات تبرز عند التطبيق . وأن الصياغات يجب أن تتسم بمرونة أكبر منعاً للإفلات من الحساب والعقاب.
وقد لا يدرك بعض المواطنين أن هناك مؤسسات خارجية إقليمية ودولية تعمل على استدراج العوام تحت مزاعم تستثير النوازع الدينية والسياسية بلا أرضية علمية ولا هدى ولا كتاب منير ، وتستنفر فيهم طيشاً بينا وهوى جامحاً لزعزعة استقرار الدولة ؛ وما ذلك – من تلك المؤسسات- إلا حسداً من عند أنفسهم وهم يرون الدول من حول المملكة يتخطفها طير الفتن والإحن.
إن قيادتنا الحكيمة ، الصبورة ؛ قد اتخذت قرارها بالوقوف إلى جانب الوطنيين المستنيرين من العلماء والأدباء والمثقفين الذين أظهروا أكثر من مرة وفي أكثر من محفل ومقام انزعاجهم وتوجسهم -الحقيقي المستند إلى أدلة وقرائن - من تلك المشاريع الإرهابية التي تجري محاولات دؤوبة لغرس جذور لها في أرضنا الطاهرة, لا سيما ونحن في عصر انفتحت فيه المؤسسات الحكومية والأهلية على بعضهما البعض ، لتقود المملكة طفرتها الثقافية –إلى جانب الإقتصادية- في منطقة الخليج .
إن هذا القرار السامي جاء ليؤكد حالة الإنغلاق الفكري لهذه الجماعات مما لم يؤثر فقط على الجانبين الأمني والإجتماعي ، بل وحتى على الدين ؛ فهذه الجماعات قد شوهت الإسلام تشويها ما كان لأعتى أعدائه أن يفعله ، وأدت إلى تراجع نسبة الراغبين في اعتناق هذا الدين الحنيف ، وصورت الإسلام كدين لا يملك أرضية للإقناع بصحته إلا أرضية حزِّ الرقاب  وتفجير الأسواق ، وبث الرعب في قلوب المدنيين العزل. مما قوى من تيارات الإلحاد والردة ، وربما يكون هذا تفسيراً بينا للمادة الأولى من القرار .
بل أن الأدهى والأمر هو ما طال علماءنا الأجلاء من تعريضٍ بهم من قبل كل رويبضة من أدعياء هذه المجموعات الرعناء ، حيث يلقي بفتاواه يمنة ويسرة ، ليبلغ بذاك شهرة عند العوام ، وهو يشتري ثمناً قليلاً ، وتكاثر الرويبضات حتى أحاطوا بالعلماء الأجلاء إحاطة السوار بالمعصم ،  وهم ينتقصون من قدرهم ويشككون في دينهم . وعلماؤنا الأجلاء الذين لا يفتون إلا عن بينة وعلم لا يجدون ما يحملونه على الروبيضات الذين يجترحون نفاذهم عبر استقطاع النصوص واجتزاء العلل .
إن المملكة تسير في طريقها الصحيح ، ونحن لا نثمن فقط على هذا الأمر ، بل ندعو إلى المزيد ، وندعو كافة المثقفين والعلماء وأساتذة الجامعات وشيوخ الفقه ، إلى مساندته ؛ ليس بالقول ، وإنما بالنزول إلى منزلة التطبيق عبر نشره على مستوى الأفراد والأسر والعائلات والعشائر وسائر شرائح المجتمع ، لتعميم فهمه . فالمرحلة القادمة هي مرحلة نشر الوعي ، فهو السلاح الأمضى في مواجهة دوغمائية العنف.

مدى الحاجة إلى نظام لحكم المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية ؟

مدى الحاجة إلى نظام لحكم المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية؟
   
في الثامن من جمادي الآخرة 1435هـ انعقدت ورشة عمل المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية ، برعاية مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية ، وقد شارك في هذه الورشة جمع غفير من العلماء والخبراء ، وكان محفلاً علمياً مقدراً ، استطاعت فيه مدينة الملك عبد الله أن تديره باقتدار. هذا وقد سرني كثيراً أن أكون ضمن المدعوين إلى هذا المحفل العلمي . ومن خلال جلسات الورشة ، دارت نقاشات علمية مختلفة كان من بينها بعض التساؤل حول مدى ضرورة سن نظام للمسؤولية المدنية عن الأضرار النووية  مادامت (اتفاقية فينا) قد فصلت هذا الأمر ومادام أن الاتفاقية نافذة في المملكة بأحكامها، كما ثار نقاش آخر حول مدى انتهاك تنفيذ الأحكام الأجنبية لسيادة الدولة ، ورأيت أن أبين رأيي حول هتين المسألتين :
المسألة الأولى: مدى الحاجة إلى نظام للمسؤولية المدنية عن الأضرار النووية:
رغم أنه متى تم التصديق على إتفاقية دولية من قبل المملكة فإنها تعد نافذة فيها إلا أننا يجب أن نلاحظ أن الإتفاقيات الدولية قد تضع أحكاماً تحكمية ، بحيث لا يجوز مخالفتها من قبل الدول ، ولها في نفس الوقت أن تضع قواعد تجيز للأنظمة الداخلية (الوطنية) أن تخالفها ، فهذه الأحكام المكملة ، جائزة المخالفة ، كما أن الإتفاقيات الدولية قد تترك للأنظمة الداخلية تحديد موقفها إزاء مسألة ما دون أن تفصل فيها الإتفاقية . ناهيك عن أن الإتفاقية الدولية (لاسيما اتفاقية أو بروتوكول فينا) قد تتيح للدولة التحفظ على بعض البنود ومن ثم لا تسري هذه البنود داخل الدولة الطرف .
وهذا بالضبط ما نجده داخل نصوص إتفاقية فينا ، وعلى سبيل المثال نجد أن المادة الأولى تجيز لدولة المنشأة أن تقرر أن المنشآت التابعة لمشغل واحد في موقع واحد تعد بمثابة منشأة نووية واحدة ، كما أن المادة الأولى تترك لقانون المحكمة المختصة أن ينص على أضرار أخرى تنجم عن الحادث النووي ...وهكذا تتعدد القواعد التي تحيل إلى الأنظمة الداخلية لكل دولة طرف بحسب ما تراه محققاً لمصلحتها القومية. ومن ثم فإن وضع نظام للمسؤولية المدنية يعني أن المملكة قد حددت موقفها من هذه المسائل على نحو نظامي . هذا بالإضافة إلى أن وضع الدولة لنظام ينسجم مع الإتفاقية يعد من قبيل الواجهة القانونية والسياسية للدولة ، ولذا فإن دولاً عديدة سنت قوانينها مستهدية بالإتفاقية، كالقانون الهندي والكندي وغيرهما.
النقطة الثانية: هو تنفيذ الأحكام الأجنبية ومدى مساسه بسيادة الدولة: والحقيقة أن هذه النقطة تبدو ساذجة جداً ، لأن تنفيذ الأحكام الأجنبية ليس مستحدثاً على الأنظمة السعودية ، بل أن هذا التنفيذ موجود قبل هذه الإتفاقية ، وكان ديوان المظالم هو المختص بتنفيذ الأحكام الأجنبية ، إلى تم منح هذا الإختصاص للمحاكم المدنية في مواد نظام التنفيذ . وقد وضعت المادة الحادية عشر من هذا النظام شروطاً عديدة ، ومن أهمها شرطان أولهما المعاملة بالمثل ؛ أي أن يكون الحكم صادراً من قضاء دولة تجيز تنفيذ الأحكام الصادرة من المملكة ، والا ينص هذا الحكم على ما يخالف النظام العام ، وهذان هما الشرطان السائدان في أغلب قوانين الدول لأنهما يعبران عن القصد من تنفيذ الأحكام وهو تسهيل تنفيذ العدالة فلا يمكن لورثة المتوفى –على سبيل المثال- الذي يملك أموالاً في المملكة السعودية وبريطانيا وإيطاليا والبرازيل أن يقوموا برفع دعوى الميراث في كل هذه الدول ، إضافة إلى أن قواعد الإسناد في القانون الدولي الخاص تجيز عند رفع دعوى ذات اطراف أجنبية أن تطبق قانون الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء الأطراف أو قانون الدولة التي يوجد بها العقار المتنازع عليه ...الخ . إذن؛ فلا يوجد مساس بسيادة الدولة في هذا الصدد.

أخيراً ، أحيي مدينة الملك عبد الله على إدارتها للورشة إدارة مقتدرة ، وأدعو لها بالتوفيق في مقبل عهدها ، وكان الله من وراء القصد وإلى الله ترجع الأمور.

المكون الثقافي لمكافحة الفساد


المكون الثقافي لمكافحة الفساد





يمكننا أن نطرح قضية الفساد من وجهتها الثقافية القانونية في ظل المنظومة الثقافية للمجتمع نفسها وهي التي يتوقف عليها مصداقية مكافحة الفساد ومحاصرته. فنحن لا نحتاج فقط إلى هيئة لمكافحة الفساد ولا لأنظمة قانونية تتيح للسلطات القدرة على الحركة في مواجهة الفساد .. بل نحن في حاجة إلى بناء منظومة متكاملة في أفق ثقافي واقتصادي وقانوني وإداري. لو أنا - على سبيل المثال- تخيلنا أنفسنا كأفراد واقعين تحت طائلة القانون فإننا سنبحث مباشرة عن مخرج سريع ولا ينتمي إلى القانون بصلة ؛ سنبحث عن واسطة ، وسنجري اتصالاتنا وننشئ تحالفاتنا ، وفي ظل بطء الإجراءات القانونية فإننا سنفضل الحلول الأسرع. ولنتخيل في الوجه الآخر أن الإجراءات القانونية سواء في إطارها الجزائي في مرحلة التحقيق أو في مرحلة المحاكمة تتمتع بالسرعة الكافية والكفاءة العملية فإن الرغبة في تسريع العجلة البيروقراطية ستقل.
 وعلى مستوى الإدارة .. ، فلنلاحظ أن دولة كالولايات المتحدة لا تملك شيئا أهم من القانون والإدارة . تتميز العملية الإدارية بالتفصيلات الكثيرة وتترتب على ذلك قوانين متشعبة في تناول عناصر الفرض في القاعدة القانونية . في الوقت الذي تبدو فيه الأنظمة السعودية فضفاضة وأقل عمقا .. مما يجعلها تعمل على مستوى السطح ولا تنزل إلى مستوى التفاصيل . كما لو أن هناك كسل ذهني يحول دون قيام لجان فحص دقيق لهذه الأنظمة وتجذير فروضها وتكييفها وربطها بالواقع العملي. ولنضرب مثالا بسيطا لعملية إعانات القصر في الولايات المتحدة .. حيث يقوم (أ) وهو والد (ب) القاصر بطلب بدل جليسة أطفال تحصل على عشرة دولارات في الساعة . يتم حساب هذا البدل كالآتي : يبدأ عمل الأب الحاضن الساعة التاسعة وينتهي الساعة الرابعة ولديه ساعة في المواصلات فتكون القيمة الإجمالية ثمان ساعات يخصم منها ثمان ساعات لأيام العطل الرسمية . ويخصم منها أيام حضانة الأم المؤقتة . ويخصم منها ساعات المدرسة أو الحضانة . . وهكذا تستمر حالات الخصم لكل ما يمكن لنا أو لا يمكن لنا تخيله. وعلى هذا المستوى تتم عملية محاسبة الإدارات الحكومية بالتفصيل الممل وتقارير الكفاية الوظيفية ، والرقابة المحاسبية. وبناء الهيكل الإداري لتجنب الترهلات فيه، بالإضافة إلى تمكين منظمات المجتمع المدني من القيام بدورها الرقابي . يعمل الإعلام كسلطة رابعة على الكشف عن الفساد .. وتمنحه القوانين الأمريكية أكبر حرية يمكن تصورها. ففي ظل الكبت الإعلامي لا يمكن للأخير أن يؤدي دوره وتختفي الرقابة الشعبية ، التي هي الضامن الأول للضغط على الجهات المسئولة فلا تتجاوز حدودها القانونية والإدارية . من خلال الإعلام يكون الدور الشعبي فعالا ، بل ويحدث ذلك الارتباط النفسي بين المواطن والمال العام فيعمل على صيانته وحفظه والحيلولة دون تدميره .

ونقف أخيرا على البناء الثقافي بالمعنى الواسع لهذه الكلمة ؛ حيث يتم نشر ثقافة احترام القانون واحترام حقوق الآخر ، والإيمان المطلق بضرورة احترام الفرد لدور القانون في حماية الحقوق وتنظيم سبيل الاستمتاع بها. بدءا من احترام نظافة الشارع مرورا باحترام إشارات المرور وانتهاء باحترام الأنظمة ككل . وهذا يحتاج منا إلى بناء ثقافي شامل يبدا بالطفل لترسيخ هذه القيم التي هي ليست بعيدة عن ثقافتنا الإسلامية بل منبثقة عنها.

نقد لقاعدتي عزل المحبوس احتياطيا في نظام الإجراءات الجزائية الجديد


نقد لقاعدتي عزل المحبوس احتياطيا في نظام الإجراءات الجزائية الجديد


 نصت المادة (118) من نظام الإجراءات الجزائية الجديد على أنه:(لا يجوز لمدير السجن أو التوقيف أن يسمح لأحد رجال السلطة العامة بالاتصال بالموقوف إلا بإذن كتابي من المحقق ، وعليه أن يدون في السجل الخاص بذلك اسم الشخص الذي سمح له بذلك ووقت المقابلة وتاريخ الإذن ومضمونه).
كما نصت المادة (119) على أنه :( للمحقق -في كل الأحوال- أن يأمر بعدم اتصال المتهم بغيره من المسجونين ، أو الموقوفين ، وألا يزوره أحد لمدة لا تزيد على (ستين) يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك ، دون الإخلال بحق المتهم في الإتصال بوكيله أو محاميه).
 والعزل هو ليس فقط تقييدا لحرية المتهم بل يتضمن منع أي شخص من الإختلاء بالمحبوس احتياطيا عدا محاميه ؛ وقد حددت المادتان المشار إليهما ثلاثة أنواع من العزل :
النوع الأول : العزل عن الاتصال برجال السلطة العامة . وقد يكون ذلك بغرض ألا يتعرض الموقوف إلى إغراء أو تهديد أو مساومة أو حتى الاستفادة من محسوبية من خلال اتصاله برجال السلطة العامة . والمقصود بالاتصال هو الإختلاء من جهة ، وأن يكون ذلك بشأن القضية محل التحقيق . ذلك أن مدير السجن نفسه رجل سلطة ، ومع ذلك تقتصر علاقته بالمحبوس احتياطيا على تلك العلاقة الإدارية التي بين مدير السجن والمسجونين . كما أن ذلك لا يمنع مدير السجن من الاتصال بالمحبوس لغرض إداري محض كفرض النظام داخل السجن ولكن يشترط ألا يكون له علاقة بالقضية محل التحقيق.
كما يشترط أن يكون اتصال رجل السلطة العامة بصفته كذلك أما إن حاول الإتصال بالمحبوس بشكل شخصي فإنه يخضع للمادة (119) ؛ كما لو كان أحد أقارب المحبوس. النوع الثاني : وهو عدم اتصال المحبوس بغيره من الموقوفين أو المسجونين ؛ وذلك لمدة لا تزيد عن ستين يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك . وهذا يعني وضع الموقوف في العزل الإنفرادي . ونرى ضرورة تحفظنا على ذلك ؛ للآتي:
(1) أثبتت الدراسات العلمية أن الحبس الانفرادي الذي يتجاوز أسبوعا يؤدي إلى أضرار عقلية ونفسية بليغة .
(2) أن ذلك يتعارض مع ضرور أن يتم التحقيق دون وضع المقبوض عليه في حالة تؤثر على إرادته . فقد يضطر المحبوس إثر شعوره بالاقتراب من الجنون إلى أن يعترف على نفسه بجريمة لم يقترفها ليخرج من أزمته.
(3) أن هذا العزل يتعارض مع مبدا أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته والذي يعني عدم معاملته كمدان
(4) لا يمكن لمن لم تتم محاكمته وهو يتمتع بقرينة البراءة أن يكون في موقف أسوأ ممن حكم عليه بالإدانة ومع ذلك لا يتم عزله انفراديا إلا في حالات إستثنائية.
(5) أن مدة الستين يوما مدة طويلة وهي مع العزل تتضمن معنى العقاب الذي لم ينص عليه حكم قضائي . النوع الثالث: ألا يزوره أحد لمدة لا تزيد على الستين يوما ، إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك .
ونورد ذات النقد الموجه للنوع الثاني ، فكيف لأهل المحبوس أن يكونوا جاهلين بما يجري له داخل الحبس لمدة شهرين دون علم بأوضاعه النفسية والصحية ؛ و ألا يشكل ذلك أيضا عقوبة على أهل الموقوف وذويه

ونرى أنه حتى في الحالات ذات الخطورة الاجرامية العالية كحالات الإرهابيين ؛ لا يجب أن يكون العزل مطلقا هكذا ؛ بل يجب التلطيف من حدته بأن يجوز للمقبوض عليه الإتصال بذويه على أن يتم ذلك تحت سمع وبصر ورقابة إدارة السجن ؛ بحيث لا يتم استغلال اللقاءات في نقل رسائل مشفرة إلى الداخل أو الخارج أو للتأثير على سير التحقيق.

ماذا ( لو )

ماذا ( لو )
 د.فهد بن نايف الطريسي
أستاذ القانون بجامعة الطائف
  
يقال ( لو ) تفتح عمل الشيطان ، ولو أن هؤلاء الإرهابيين لا قدر الله نجحوا في مخططاتهم الإجرامية  لكانت أخبارهم  تتصدر وسائل الاعلام لنعرف بالفعل كيف أن أبواب الشيطان قد فتحت. وهذا ما يتمنونه  وهذا ما لن يحدث بحول الله ثم بسواعد الرجال القائمين على حماية الوطن  
كم  نتمنى ان  يخرج علينا هؤلاء بفكر أو فكرة أو موعظة ولكنهم يؤكدون دائماً انهم أعداء الله والوطن قبل ان يكونوا أعداء الفكر والعقل والإنسانية !
 هل سمعنا من هؤلاء سوى القتل والدمار والإقصاء وبث روح الكراهية  ، ويا ليته كان قتالاً بشرف بل غيلة وغدراً ، وهو سلوك  الجبناء والخونة  الذين يدمنون التخفي والترصد والقتل.
وبعد فأننا يجب أن نبدي مزيداً من بعد النظر في قراءتنا لمستقبل هذه الأمة ، فإجتثاث هذا العقول المظلمة (ولا أقول الفكر لأنها عقول خاوية) لن يتم فقط عبر عمليات الضبط والتفكيك ، بل يجب أن تنطلق من الأرضية الثقافية للأمة ككل ، إننا في حاجة إلى إعادة بناء ثقافتنا من جديد ، ثقافتنا تجاه كل شيء ، تجاه الآخر ، وتجاه أنفسنا ، وتجاه طموحاتنا الفردية والجماعية ، وتجاه خطابنا الديني ومفاهيمنا الدينية ، إننا بحاجة إلى إعادة بناء ثقافي كامل ، نراعي فيه عناصر خصوصيتنا من ناحية ، ولننفتح تجاه التطورات البشرية بقلوب مطمئنة من ناحية أخرى. وكما قال الفقهاء (بلا إفراط ولا تفريط).
إن المملكة اليوم ليست المملكة قبل عقود ، إنها اليوم القائد السياسي الأهم إقليمياً ، وهذا يعني مزيداً من الإستحقاقات المفروضة على هذه القيادة ، مما يتطلب منا جميعاً تهيئة المناخ المثالي لذلك.
نعم نجحت الداخلية في توجيه ضربات إستباقية للخلايا الإرهابية ، وهو نجاح أسعدنا وأثلج صدورنا ، ولكن ... ليس هذا كل ما نريد ، إن ما نريده هو الاهتمام أكثر بطبقة الإنتلجنسيا في المملكة ، بمباشرة  دراسة كيفية المجابهة الفكرية للعقول الظلامية ، يجب ألا تترك المعركة فقط للقوى الأمنية ، بل يجب أن يكون للمثقفين أيضاً كلمتهم ، يجب أن يُدعى جميع المثقفين إلى مؤتمر خاص بهم ، يجمع الأدباء والمفكرين وعمداء الكليات والفنانين وخلافهم لتوضيح وجهة نظرهم من الجانب الثقافي بحيث يرسمون خارطة طريق ثقافية تتكامل مع تلك الاجراءات الأمنية  ، وما أقصده هو مؤتمر يكون فيه الحوار مفتوحاً للجميع لتكون المخرجات منبثقة من فهم عميق للمجتمع السعودي. وبالتالي يحدث ذلك التكاتف بين رجل الأمن والمجتمع الذي دعا إليه وزير الداخلية من قبل ، وفقه الله لتحقيق ذلك.
أخيراً فإننا نحمد الله على أن كفانا ذلك الشر وحمانا منه ، فلله الأمر من قبل ومن بعد.

مبدأ المشروعية الجنائية

مبدأ المشروعية الجنائية

يطلق الفقه الأنجلو أمريكي  مسمى قانون الكلب على تلك العقوبات التي توقع دون وجود قانون يجرمها مسبقا ؛ وسبب تسمية هذا النوع هو أن صاحب الكلب لا يحدد لكلبه ما عليه القيام أو الامتناع عنه مسبقا بل ينتظره حتى إذا قام الكلب بسلوك لا يعجب صاحبه عاقبه هذا الأخير فيدرك الكلب حينئذ بأن سلوكه كان خاطئ.

لذلك النظام الأساسي للحكم في المملكة-وهو بمثابة الدستور- قد أخذ بالاتجاه الحديث في القانون الجنائي وهو الالتزام بمبدأ المشروعية فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص نظامي. ومبدأ المشروعية (والذي يميز البعض بينه ومبدأ الشرعية) هو نتاج لحراك طويل للعلاقة بين دور الدولة والفرد . ويعني المبدأ -إجمالا- بأنه لا يمكن تجريم سلوك ومن ثم المعاقبة عليه إلا إذا حصل الفرد على علم مفترض مسبق بأنه مجرم. فلا يمكن لشخص أن تتم مفاجأته بالقبض عليه بسبب تدخينه للسجائر في حين أنه لم يصدر قانون يجعل من التدخين جريمة. لأن القاعدة القانونية قاعدة سلوك  غايتها الأساسية هي وضع الأشخاص في الطريق الذي تراه الدولة صوابا. وعليه فيجب أولا أن يعلم الشخص بأن سلوكا معينا سيكون مخالفا لما تراه الدولة خطأ.

إذن؛ وكون مبدأ المشروعية من كرامة الإنسان فله أصل في القران أيضا ومن قبيل ذلك قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (الإسراء-15). ما يهمنا هنا هو بأن النظام الأساسي للحكم قد أخذ بمبدأ المشروعية الذي يكرم الإنسان. ولكن الغريب أنه وحتى هذه اللحظة لا يوجد تطبيق للمبدأ على أرض الواقع . فحتى الآن لا يوجد قانون جنائي لدينا وإنما هناك نتف من القوانين؛ فلماذا لم يصدر إلى الآن قانون جنائي يحدد ما يعد جريمة والعقوبة المخصوصة بها؟!. حتى الآن يظل وضع التجريم والعقاب مخالفا للدستور أي للنظام الأساسي للحكم. وهذا أمر جد خطير ذلك أن أي حكم يصدر بغير نص سيكون مشوبا بعدم الدستورية، فنحن أمام أحد خيارين إما أن نلغي المبدأ من النظام الأساسي أو نصدر نظاما يقنن للعقوبات. وفوائد إصدار نظام كثيرة فعلى الأقل سيتم تحديد بعض القواعد المهمة داخل القسم العام من القانون الجنائي وهي من الأشياء المفقودة ولا تدرس للطلبة إلا من خلال قوانين وفلسفات الدول الأخرى . لذلك أرى ضرورة قيام مؤتمر بخصوص إصدار نظام جنائي؛ وأن يشارك فيه أهل الاختصاص من أساتذة القانون الجنائي في جامعات المملكة حتى يتم وضع توصيات تكون لبنة لتصحيح وضع القانون الجنائي. 

مواجهة الكراهية

مواجهة الكراهية

المجتمع عبارة عن ثنائيات تكبر وتصغر عرقيه وطائفيه وقبلية ومناطقية. تتقاطع مصالح أفراده وتتشابك وكل يسعى لتحقيق مكاسبه ومصالحه على حساب الاخر والمجتمع.
تفجير حسينية الدالوة بالاحساء دليل آخر على ضرورة سن قانون للحد من جرائم الكراهية كما فعل المشرع البريطاني والأمريكي وأغلب الدول الأوروبية ،  وهذا القانون يهدف إلى تحقيق نتائج قانونية واجتماعية ؛ أما القانونية فتحقيق الردع العام والخاص وإشباع الشعور العام بالعدالة وأما الإجتماعية فتحقيق الشعور بعدم تهميش طيف اجتماع على حساب اخر  وأنها محمية بموجب القانون تحت ظل سيادة الدولة الرشيدة ، وهذا يؤسس لحالة التماسك الاجتماعي ومن ثم الاستقرار السياسي.
إن العدوان على احد مكونات المجتمع سواء الدينية او القبلية او العرقية او الإقليمية  هو بداية الشرارة لزرع الفتن في أرجاء الوطن وربما دفع المعتدى عليه لانتهاج العنف وحمل السلاح وهذا خطر يجب أن نلتفت إلى أن ظهوره يعني امتداده وتأثيره على كافة اطياف المجتمع والملل ، فتتحول المملكة إلى عراق جديد ولبنان أخرى وصومال الجزيرة العربية .
يجب أن يؤكد القانون على أن كافة المجموعات العرقية والإثنية محمية هي ومفاهيمها الخاصة ما دامت لا تدعوا للعنف ولا الإرهاب. ثم ينتقل القانون إلى آليات تفعيل الشعور العام تجاه الوحدة الوطنية وحرمة الآخر المختلف في دينه وماله وعرضه ونفسه عبر الوسائط الإعلامية المختلفة ، قبل أن ينتهي القانون بعملية التجريم والعقاب المشدد . إن ما يجب علينا فعله هو وأد الفتنة في مهدها حتى لا يتفاقم الوضع وتزداد الحلول صعوبة مع مضي الوقت واشتداد الأزمة. فمحاربة الكراهية بين اطياف المجتمع هو تاكيد على ان الوطن مقدم على الانتماءات المذهبية والحزبية والقبلية والمناطقية او الإقليمية. 

الإرهاب الفكري والتشدد الديني

الإرهاب الفكري والتشدد الديني

دكتور فهد بن نايف الطريسي
أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف

يمر اليوم على أسماعنا مصطلحات عديدة، قد تعبر عن الواقع الذي نعيشه، ومن هذه المصطلحات مصطلح "الإرهاب الفكري"، وهذا المصطلح سيكون محور مقالتنا، وبيان مدى علاقته بالتشدد الديني.
ففي بداية الأمر تجدر الإشارة إلى أنه يمكن ببساطة تعريف الإرهاب الفكري بأنه "كل نشاط من شأنه أن يعمل على فرض رأي محدد، أو يجبر الآخرين على سلوك ما يعتقد من يقوم بممارسة النشاط أنه صواب".
وحقيقة الأمر أن ظاهرة الإرهاب الفكري هي ظاهرة عالمية تكاد تكون موجودة في كل المجتمعات، وإن كانت موجودة بنسب متفاوتة تختلف من مجتمع لآخر، كما أنها ليست ظاهرة حديثة، بل هي موجودة في كل المجتمعات منذ قديم الأزل.
وتتمثل خطورته في أنه يعمل على تكميم الأفواه، وتجميد العقول وسرقتها، ومصادرة الحريات، ومحاربة الإبداع والتفكير، وعدم قبول الآراء المعارضة، بل إن الذين يمارسون هذا النوع من الإرهاب يروا أن المعارضين لهم أعداء يجب محاربتهم، وقتلهم إذا استلزم الأمر؛ فهم لا يسمحون بتعدد الآراء، ورأيهم هو الصواب، وما عداه خطأ يجب درءه ومحاربته.
ونحن ليس لدينا أدنى شك في أن الإرهاب الفكري إنما هو ثمرة ونتيجة للتشدد والغلو في الدين، وهذا التشدد راجع إلى أن هؤلاء يأخذون من الفقه ومن الشرع حَرفيته، ويقفون عند اجتهادات الأولين، والجمود على متون النصوص، دون الرجوع إلى النصوص الكلية للشرع، وتحري مقاصده وغاياته، وتحقيق مصالحه العامة وتلمس روحه ومضمونه، والبحث عن حكمه ومغزاه.
فهؤلاء المتشددون في الدين يقومون بفرض أفكارهم وأرائهم ظناً منهم أنهم على الصواب، وفي المقابل لا يقبلون رأياً مخالفاً لهم، فهم يطبقون مقولة "من ليس معنا فهو ضدنا"، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار ما يسمى بـ "الإرهاب الفكري".
ومن هنا يمكن القول بأن هناك علاقة وثيقة بين الإرهاب الفكري والتشدد الديني؛ فالتشدد والغلو في الدين يؤدي إلى الإرهاب الفكري، والذي يؤدي في النهاية إلى الإرهاب الجسدي (قتل وتدمير وتخريب وتخويف الأبرياء ... الخ).
لأن المتشددون لا تتسع صدورهم لمن يخالفهم في الرأي، وبالتالي يقومون بفرض أرائهم بالقوة، والقتل إن استلزم الأمر كما أوضحنا، ويغيب عن هؤلاء منهج السلف الصالح الذي كان يقوم على حرية الرأي والتعبير، وقبول أراء الآخرين بصدر رحب، وحوار بناء من أجل الوصول إلى الصواب، والرأي الأفضل، وذلك لأنهم أدركوا حقيقة هامة وهي أن أرائهم ليست في كل الأحوال هي الصواب.
فها هو الإمام الشافعي رحمه الله، كان يردد ويعلن بكل وضوح «رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نقول أن الإرهاب الفكري لا يمكن معالجته بمعزل عن مواجهة التشدد الديني، وكل ذلك يقتضي نشر وتعزيز ثقافة الاختلاف، واحترام أراء الآخرين، وفوق هذا وذاك لابد من تفعيل الحوار البناء لتصحيح المفاهيم الخطأ والأفكار المغلوطة.

وفضلاً عن ذلك فلابد لكل شخص حباه الله عقلاً أن يعمل عقله في كل ما يسمعه أو يتم طرحه، وذلك مصداقاً لقوله تعالى "أفلا يعقلون".

حادثة منفذ سويف .. إعادة رسم الأنساق

حادثة منفذ سويف .. إعادة رسم الأنساق

                                                        د.فهد بن نايف الطريسي
أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف

    يقال ان ما يؤلم الشجرة ليس الفأس، ما يؤلمها حقا هو ان عصى الفأس من خشبها. كانت يد الغدر الإرهابية قد امتدت على الحدود الشمالية.لتستمر العمليات الإرهابية ويستمر نزيف الدم الطاهر لشهداء الواجب، ولا أحد يدري نهاية هذه الحرب على الإرهاب، فهي حرب تحتاج لصبر طويل وعزيمة راسخة، فأمامنا مواجهة لا تنتهي، مواجهة ثقافية ، دينية ، أمنية ، مجتمعية ، لمحاصرة الإرهاب والتضييق عليه، والضغط على عجينة إرادته حتى ترتخي، إنها مسألة زمن. تحتاج محاربة الإرهاب لإعادة رسم السياسات الثقافية والتعليمية من جديد لنزع أي تعاطف محتمل مع التيار المتشدد، ويحتاج هذا إلى مزيد من تحرير الإعلام وتطويره ودعمه ماديا بشكل متواصل، ويحتاج أيضا إلى إعادة رسم ملامح المؤسسات الدينية، حقيقتها شكلا وموضوعا، وتطوير خطاباتها الموجهة إلى شرائح المجتمع المختلفة. ويكون ذلك من خلال وضع رؤية ورسالة وأهداف لهذه المؤسسات اي وضع خطة إستراتيجية تكون محددة بمدة زمنية وخلال كل سنة يعاد تقييم إدارة هذه المؤسسات وهذه الخطة. إضافة إلى تأطير ذلك بقوة القانون من خلال تفعيل الأنظمة القانونية والنهوض بالمؤسسات ذات الصلة التي تعاني من انها تُشغل ويتسنم قيادتها غير المتخصصين. 
إن الحرب على الإرهاب مكبوحة بعدة أنظمة ثقافية ودينية واجتماعية، وهي معرقلة لها، وفي بعض الأحيان مناهضة لها، ونحن هنا نقف وسنقف حتما أمام التساؤل الجوهري الحتمي؛ هل نحن قادرون وراغبون في التغيير؟ هل نمتلك آليات التغيير والدعم السياسي له ؟ هل نحن متأهبون للخروج من حالة التنميط الثقافي السائد انطلاقا إلى سعة الأفق العالمي؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة البسيطة هي مؤشر النصر أو الهزيمة في الحرب على الإرهاب ، فليس السلاح والأمن فقط هما آليتا دحر الموج الإرهابي ، نحن نحتاج إلى قلب الطاولة وإعادة رسم الأنساق الثقافية والدينية والمجتمعية والتعليمية والإعلامية من جديد .. إنها حالة تطوير متواصلة لتغيير  في العقل الجمعي ليحمل هو بنفسه؛ وبدون حاجة إلى تسيير؛ راية مكافحته ومحاربته للإرهاب .. ونواصل ..


في وداع فقيد الأمة

في وداع فقيد الأمة

دكتور فهد بن نايف الطريسي
أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف

لقد كان يوم الجمعة الماضي يوماً حزيناً ليس على المملكة العربية السعودية فحسب، ولكن أيضاً على الأمة العربية والإسلامية، فقد تلقيت النبأ الفاجع  في قاهرة المعز  وكان جميع من التقي في نزل الإقامة او في طريقي للمطار يقدم واجب العزاء.
وفي هذا المقام لا يسعنا إلا أن نؤكد وبكل حزم وجزم أن الأمة الإسلامية والعربية فقدت رجلاً قلما جاد الزمان بمثله، كيف لا وهو صحاب الحوار في الداخل والخارج وهو أبو المبتعثين وصاحب التوسعة الأعظم في تاريخ الحرمين إضافة الى إدخال بلاده الى نادي دول العشرين، وقد ورث الملك عبد الله عن والده صفات رائعة في القيادة والحكمة، وقوة البصيرة وأهمها القبول لدى الاخرين.
رحم الله الملك عبد الله عاش بسيطاً متواضعاً، لا يعرف الكبر ولا التعالي، فهو يؤمن أن الناس سواسية كأسنان المشط، ولذا كان يرى نفسه دائماً بين البسطاء من الناس، يتعامل مع الكل بسماحة وطيب نفس منه، وبرحابة صدر لا يعرف الملل أو الضيق إليه سبيل.
كان رحمه الله يسعى بكل جد وصبر ومثابرة ليعم السلام جميع الأرض، وأن يعيش الجميع في وئام وسلام وسعادة، ولذا كان يؤمن بالحوار البناء ويسعى إليه، ولا يتعصب لرأيه ولا لقوميته، بل كان تعصبه للحق، وإعلاء كلمة الله بين البشر، فكان لا يناصر باطلاً، ولا يظلم إنساناً مهما كانت ديانته أو لغته أو لونه أو جنسه.
كان محباً ومولعاً بالعلم، فقد أطلق برنامجه للابتعاث الخارجي الذي يسعى إلى المساهمة في تنمية وإعداد الكوادر البشرية السعودية وتأهيلها على نحو فاعل يحقق أهدافه ورؤيته.

وعلى المستوى السياسي كان رجل مخضرم ذو وعي سياسي، وذو خبرة بشئون المملكة، عالماً ومطلعاً على قضايا أمته، يحسب له العالم ألف حساب، وكان رحمه الله يحمل هموم مملكته وأمته،وكان إذا قال فعل، وإذا وعد صدق، وهذا ما أكده معظم زعماء العالم؛ فقد قال أوباما في بيان: "كان دائماً قائداً صادقاً، يتمتع بالشجاعة في قناعاته" كما اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز شكل خسارة لا تعوض للمملكة ولكل الشعب السعودي، وجاء في التعزية أن "الملك الراحل كان معروفا كرئيس دولة وسياسي وزعيم حكيم يتمتع بمحبة واحترام رعاياه، وسمعة مستحقة على الساحة الدولية".
ولقد حاول الملك عبد الله وبشتى الطرق أن ينهض بالمملكة العربية السعودية، فعمل على استقرارها وعلى تحسين وضع السكان الاجتماعي والاقتصادي والعلمي، وتطوير المؤسسات الأهلية للمملكة، ومحاربة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله وعلى شتى المستويات، ومختلف الأصعدة.
ولذا يمكننا القول وبكل ثقة وفخر لقد كنت أيها الملك الراحل عن دنيانا والمتربع في قلوبنا، شخصاً إصلاحياً من الطراز الأول، وضعت المملكة العربية السعودية على درب الحداثة والتنوير، فلقد كنت تسعى بجد ودأب ومن غير ضيق أو سأم أن تعزز من وجود المملكة على الساحة السياسية الدولية، ولقد بذلت المزيد من الجهود من أجل تكريس  حقوق الإنسان، وخير دليل على ذلك إنشاء العديد من الهيئات واللجان المكلفة والمعنية بحقوق الإنسان.
ولا يسعنا في النهاية إلا أن نقول وداعاً خادم الحرمين الشريفين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


الإرهاب والعناصر المفتوحة

الإرهاب والعناصر المفتوحة

د. فهد بن نايف الطريسي
أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف

قبل الغوص في موضوع المقالة؛ نود التأكيد على عدة حقائق، وهي أن الإسلام ليس دين الإرهاب أو التطرف، بل هو دين التسامح والرحمة، وهو نظام كامل من الثقافة يشمل الدين والدولة معاً، وبالقرآن والسنة يشكل الإسلام تقنيناً ودستوراً ينظم كافة جوانب الحياة، هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية إن من اتهم الإسلام بأنه دين الإرهاب، وأنه انتشر بحد السيف؛ فإن الحقيقة والواقع تؤكد عجزهم وقصورهم في فهمهم لأحكام الإسلام، وعدم قدرتهم على استيعابها لسموها على فكرهم، فضلاً عن أن عقولهم وقلوبهم ضاقت عن استساغة أحكام الإسلام، وإنصافها.
ومن ناحية ثالثة فإننا نرى أن الجماعات الأصولية التي تدعي الإسلام- والإسلام منها براء- والتي تنتشر في بقاع عديدة من العالم، كانت وراء تغذية الاتجاه الذي يزعم بأن الإسلام دين الإرهاب، ولعلنا رأينا في الفترة الأخير ما قامت به " الدولة الإسلامية " - والمعروفة اختصاراً باسم " داعش " - من مجازر ومذابح لا تمت للإسلام والمسلمين بأية صلة.
ومن هنا يمكن القول بأن الإسلام مثله مثل أي دين له مصادره التي يستقي منها أحكامه، ومصادر التشريع الإسلامي كما يقسمها الفقهاء نوعان : مصادر أصلية هي القرآن الكريم ، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، وهناك مصادر أخرى تكميلية أو احتياطية مثل الاستحسان، وسد الذرائع، والمصالح المرسلة، وشرع من قبلنا، وعمل الصحابي ... الخ.
ونحن في الحقيقة لسنا في معرض التعرض لهذه المصادر – فليس هذا مجالها- ولكن ما يعنينا هنا هو أن هذه المصادر مفتوحة على كافة التأويلات، ومسرحها يتحمل العديد من المشاهد المتنافرة والمتقابلة، ومما لا شك فيه أن هذا أدى إلى نتيجتين عكسيتين؛ النتيجة الأولى : وهي المفترض الأساسي هي قابلية الدين للحركة إلى الأمام ... ولكن هذا ما لم يحدث بل حدثت نتيجة عكسية وهي ذات شقين؛ الشق الأول هو الانقسامات الفتيلية، والشق الثاني هو قابلية الدين للخضوع ﻷي هوس إنساني.
ومن ثم يمكن القول بأن هذا الانفتاح في العناصر - ومن ثم التأويل - حرض العقول الإجرامية على تبني إسقاطات النفس داخل العناصر. إن أغلب الإرهابيين هم في حقيقتهم مرضى نفسيين وجدوا في التأويل الإجرامي للعناصر باباً مفتوحاً لاستفراغ أمراضهم على الكون كله. هم يطحنون العناصر ويمضغونها، ثم يبتلعونها، ثم يتقيأونها مليئة بالدم والقيح، وبطبيعة الحال إن الإسلام براء من هؤلاء فهم أصحاب عقول مريضة، ومصابون بداء خطير ألا وهو داء الهوس الديني، فهم يفسرون النصوص على مزاجهم ، وطبقاً لما يحقق مصلحتهم.
ولذا فنحن أمام أحد سبيلين إما محاولة غلق هذه العناصر -وهذا مستحيل- أو الدخول في مناكفات غير مجدية مع تأويلات عُصابية، أو تبني سياسة المراقبة والضبط ثم العزل ثم الضرب بقوة على هذه العقول الإجرامية، ومع ذلك فهذا حل صعب وطريق طويل محفوف بالتضاريس الحادة.

وفي نهاية مقالتنا لا يسعنا إلا أن نقول بأن الحرب على الارهاب لا تتحمل الشفقة أو حتى قليل من التعاطف . إنها حرب بين المستقبلين إما مستقبل الاعتدال الحر أو مستقبل الدم فأيهما تختار.

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية د.فهد بن نائف الطريسي أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف ...