السبت، 2 ديسمبر 2017

الثورة على الفساد..حماية للإنسان السعودي

الثورة على الفساد..حماية للإنسان السعودي




دخلت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) حيز النفاذ في ١٤ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٠٥، وحتى يناير 2013، صادقت عليها ١٦٥ دولة.
وكان على المملكة منذ ذلك الوقت اتخاذ التدابير اللازمة لتفعيل استجابتها الداخلية والدولية لنداءات مكافحة الفساد وهو عبء ملقى على عاتقها حماية لمواطنيها ولموقفها الدولي ،  وكان قد صدر في عام 1432ه تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كما صدرت أنظمة أخرى مرتبطة بمكافحة الفساد كالرشوة وضوابط العقود الادارية وغيرها ، استطاعت المملكة خلال هذه الفترة تحقيق قفزات واسعة في مكافحة الفساد رغم الصعوبات القانونية والفنية التي صاحبت هذه المكافحة ، وأخيرا استطاعت الحكومة تنفيذ وعدها بمكافحة شاملة للفساد لا تستثني أحدا مهما كانت مرتبته السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. وقد جاءات تنفيذا لما ذكره ولي العهد بان مكافحة الفساد ستطال كل مخالف كانا من كان.
فقد قامت الحكومة بايقاف عددا من الشخصيات  في قضايا فساد أمراء ووزراء سابقين وحاليين ورجال اعمال مرموقين وخلافه ، مما شكل مفاجأة كبيرة للشعب السعودي الذي عبر عن ارتياحه الكبير لهذه الخطوة الهامة لاجتثاث الفساد ، ومنذ اعلان الخبر وحتى اليوم ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن سقوط العديد من الرؤس التي كانت تعتبر نفسها فوق القانون .
لكن ما يجب توضيحه للناس من ناحية قانونية محضة ، أن الايقاف للتحقيق ليس ادانة بالفساد ، بل هو قيام مجرد شبهات قوية على القيام بجرائم تتعلق بالوظيفة العامة او المال العام . وأن هذا التوقيف لا يلغي قرينة البراءة التي تذهب الى أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته ، ويترتب على هذا المبدأ أن اثبات الفساد يقع على عاتق النيابة العامة ، وليس على عاتق المتهم أن يثبت عدم اقترافه للجرائم . 
بالاضافة الى هذا فان قانون الاجراءات الجزائية " وقد تم الاشارة اه في ديباجة الامر الملكي " قد وضع ضمانات كافية تنبثق عن قرينة البراءة هذه منعا لامتهان كرامة شخص لا زال متصفا ببراءة الذمة ، يترتب على ذلك أيضا أن من تم توقيفهم سيخضعوا لاجراءات تحقيق وليس حكما مباشرا من القضاء ، وأن التحقيق -طال أو قصر- يخضع هو أيضا لضوابط وضمانات للمحقق معهم تمنع تلبيسهم تهما غير حقيقيةف. أعتقد شخصيا أن منظومة تحقيق عدالة سامية قد توفرت تماما في المملكة مما يعني أننا نمر بمرحلة هامة من الشفافية الادارية للدولة . 
إن حماية المال العام هو حماية في الواقع لحقوق المواطن السعودي فقيرا كان ام ميسور الحال ، لأن حماية المال العام تعني القدرة على توفير خدمات عامة أفضل وأكثر للمواطن صحيا وتعليميا وثقافيا ..الخ.

من جهة ثانية يمكننا ان نلاحظ من خلال شخصيات الموقوفين ان تورطهم في الفساد يقصد به في الحقيقة تورط شركاتهم في هذا الفساد وليس تورطهم الشخصي المباشر ،  وهذا سيحيلنا الى قضايا أخرى مهمة ، وهي المسؤولية الجنائية للشخصية المعنوية ، فمن المعروف قانونا أن أي شركة تتمتع بشخصية قانونية مستقلة عن مالكها ، وأنها بالتالي تكون هي الوحيدة المساءلة جنائيا وليس صاحب رأس المال ،  مما يحيلنا الى مسألة جرائم الشركات ، ويلاحظ أن نظام الشركات لعام 1437 - 2015 قد القى بعبء المسؤولية في جرائم الشركات بالكامل على الأشخاص الطبيعيين في الباب الحادي عشر ، أي ان نظام الشركات لم يتجه الى التطور الجديد في السياسة الجنائية فيما يخص جرائم الشخصية المعنوية وهو التطور الذي بدأ بتوقيع جزاءات  على الشركة تختلف عن العقوبات التي توقع على الأشخاص الطبيعيين وان كانت تؤدي الهدف النهائي منها ، فمثلا يتم تصفية الشركة كعقوبة شبيهة بالاعدام ، او توقيع غرامة على الشركة ، او ايقاف نشاط الشركة مؤقتا كعقوبة شبيهة بالسجن ، ويلاحظ أيضا أن نظام الشركات احال الى أي نظام آخر كنظام مكافحة الرشوة وخلافه والقى العبء الأكبر على مدراء الشركات وليس على رؤساء مجلس ادارتها وهذا يجعلنا نتساءل عن توقيف بعض رؤساء مجالس الشركات الكبيرة وآخرين... إلا ان كان الأمر طبعا يتعلق بتصرفات شخصية خارج اطار المؤسسات الاقتصادية التي يملكونها .
على أية حال فنحن نثمن تماما على هذه الخطوات الواسعة تجاه الفساد ونؤكد أن القانون السعودي والمؤسسات العدلية السعودية مؤسسات ذات شفافية عالية ، وأن لكل المتهمين ضمانات وحقوق تحميهم من أي تعسف أو أي ظلم .. وفق الله خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على هذا الانطلاق القوي نحو تحقيق رؤية 2030 بإذن الله.

د.فهد بن نايف الطريسي
استاذ القانون المشارك بجامعة الطائف