الاثنين، 2 سبتمبر 2019

التوازن التشريعي.. متطلبات التطور وضمانات العدالة

تطلق كلمة نظام على كل علاقة مضطردة بين شيئين أو أكثر ، بحيث يتشكل عن تلك العلاقة نسق فيمكننا من خلال التأمل والتدقيق في هذا النسق أن نستخرج القانون الذي يحكم الاتصال بين تلك الأشياء المختلفة (الفعل ورد الفعل). 
أما القانون (باعتباره تشريعا وقواعد سلوك) كنظام فهو يقوم بعملية عكسية، حيث يقصد من وضع القانون انتاج أنساق. فالنظام (بمعناه الواسع ينتج قانونا) والنظام (بمعناه التشريعي ينتج (عن) قانون).
من الضروري أن نفهم ذلك قبل أن نتحدث عن سن القوانين، وضوابط وتقنيات صناعة القانون law making .
الاختلاف بين فن وصناعة التشريع:
تعتبر صناعة التشريع عملية شاملة واسعة بحيث تتضمن فن التشريع؛ صناعة التشريع تتم عبر معرفة واسعة بمبادئ القانون كلازمة ضرورية مع معرفة بنمط المنظومة القانونية (مثل معرفة أنماط الجرائم والعقوبات (قصاص حدود تعازير..) ، ليتم تمييزها عن غيرها من أنماط المنظومات المقارنة الأخرى (جنايات ، جنح ، مخالفات ...على سبيل المثال). وكذلك معرفة مصادر القانون (الشريعة الإسلامية كما هو الحال هنا وما ينبثق عنها من تفاصيل فقهية..)... معرفة نمط المنظومة القانونية هو أول ما يجب أن يوضع في الاعتبار عندما يتم سن القانون (النظام). أما فن التشريع The Art of Legislating
فهو البناء الإبداعي الشكلي للنص القانوني.
فالصناعة هي بناء ميكانيزم القانون والفن هو انبثاق القانون إلى الوجود بطابع جمالي يعكس تكلفة تلك الصناعة.
وعلى هذا ؛ فالتشريع ليس مجرد استنساخ القوانين من الأنظمة الأخرى وإنما قد يحتاج لأحد آليتين:
الأولى: عندما يكون محل التشريع (موضوعه) حديثا أو شديد الالتصاق بخصائص الدولة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية..الخ. فهنا لا سبيل إلى اللجوء إلى الأنظمة المقارنة.
أو إذا لم يكن الموضوع كذلك فالاعتماد على الأنظمة الأجنبية لا يتم فقط عبر القص واللصق بل عبر الدراسات المقارنة المتعمقة، بحيث لا يأتي القانون ناشزا عن المنظومة القانونية المتكاملة للدولة.
والعملية التشريعية في كلتا الحالتين تتم عبر توسيع دائرة البحث النقدي والفكري لتتجاوز علم القانون وتتماس مع باقي العلوم الإنسانية والطبيعية الأخرى. فقانون العمل مثلا يجب أن يمثل فيه العمال وأصحاب العمل والأخصائيين الاجتماعيين والاقتصاديين وفقهاء القانون الدولي العام لتحديد الالتزامات المتبادلة بين العامل ورب العمل. والقوانين التي تنظم العمل الصحي في الدولة تحتاج لوجود قانونيين وإلى جانبهم أطباء وإداريين ومتخصصين في إدارة الموارد البشرية ورجال الدين...الخ.
وهكذا تتكامل صناعة التشريع بفن التشريع وينتج ما يسمى بإبداعية التشريع Legislative Creativity.
لقد اتجه البعض إلى نقد سرعة صناعة القوانين في المملكة والبعض انتقد بطء صناعتها؛ والحقيقة أن عملية صناعة التشريع تحدد زمنها بنفسها بحيث تكون الإطالة الزمنية مفيدة أحيانا أو مناسبة أحيانا أخرى أو ضارة بحسب الأحوال.
يتطلب تطوير القوانين متابعة لصيقة للواقع الداخلي للدولة وللعالم الخارجي (السياسي والتكنولوجي والثقافي) ، كما يتطلب التطوير فوق هذا تلمس الضمانات اللازمة التي لا تحول القانون إلى آلية تبعث على الفوضى بدلا عن النظام أو الظلم بدلا عن العدل.

إن كل ما ذكرناه آنفا ليس سوى ملخص لقضية ضخمة تحتاج لدراسات بحثية عميقة بقدر عمق إشكالية وتعقيدات صناعة التشريع وفنه. وهذا ما يدعوني إلى مناداة كليات القانون ومراكز البحوث القانونية إلى توجيه باحثيها من طلبة الدراسات العليا أو أساتذة الجامعات إلى توجيه أبحاثهم نحو هذه الوجهة في البحوث التركيبية الأكثر فاعلية من البحوث القاعدية المكررة والتي تجتر ما صار معلوما من القانون بالضرورة.


الشائعة أداة للحرب النفسية ضد المملكة

الحرب النفسية هي عمليات مدروسة وممنهجة تهدف إلى التأثير على مجتمع معين، لدولة عدوة أو حليفة أو محايدة. هذا تعريف مبسط جداً عن الحرب النفسية؛ لكن الأهم من هذا هو أن الحرب النفسية هي حرب تعتمد على استغلال الجماهير ولذلك فهي حرب تتسم بالخفاء والخبث. وتعتمد الحرب النفسية على البروباجندا أو الدعاية، ومن أهم أساليب الدعاية تأتي الشائعة في المقام الأول. لن نخوض في الاختلافات العديدة حول تعريف الشائعة ولكننا سنكتفي بأن الشائعة هي عبارة عن عملية نشر معلومات أو مفاهيم أو أخبار غير مؤسسة بغرض تحقيق عدة أهداف منها: - تسميم المناخ السياسي في الدولة. وهذا هدف عام بحيث يشكل كافة الأهداف الفرعية الأولى. - نشر الإحباط. - توتير العلاقة بين الحكومة والشعب. - نشر الفزع.
وقد يكون موضوع الشائعة سياسياً أو اقتصادياً أو صحياً أو مناخياً... إلخ. وقد يجمع عدة مواضيع أو يقتصر على موضوع واحد. فالشائعة التي تتحدث عن إدخال منتجات زراعية أو حيوانية محقونة بوباء ليست فقط تستهدف ضرب الثروة الحيوانية والزراعية، بل تهدف فوق هذا لضرب الاقتصاد الوطني والعلاقات التجارية البينية للدولة وإثارة الفزع ومحاصرة الدولة وإغلاق حدودها، وكل ذلك تهيئة لإضعافها سياسياً وأمنيا. ومع ذلك فإذا كانت الشائعة وسيلة هامة للعدو، فإن الشائعة المضادة هي بدورها وسيلة للدفاع ضد هجمات العدو. وهكذا تتبادل الدول بأجهزة عملياتها النفسية إطلاق الشائعات لتحقيق أهداف محددة يمكن إجمالها في توجيه الجماهير نحو سلوك معين أو تحييد هذه الجماهير بل أو حتى لإثارة غضبهم وحنقهم. يمكن استخدام الشائعة العنصرية لتمزيق النسيج الاجتماعي للدولة عبر ضرب مكونات المجتمع المختلفة بعضها ببعض. وهذا بدوره يؤدي إلى إحداث اضطرابات أمنية شديدة تفضي إلى إشغال الحكومة بمحاولة معالجتها بدلاً عن التركيز على خطط التنمية المستدامة والتطور والتقدم المأمول. لقد واجهت المملكة حرب الشائعات سواء عبر المؤسسات الحكومية أو المواطنين أنفسهم، مما خلق درعا ضد دسائس الأعداء. مع ذلك نرى ضرورة إنشاء مؤسسات خبرة للعمل الدفاعي ومواجهة الحرب النفسية عموماً والشائعة على وجه الخصوص. فنحن اليوم أمام عالم مفتوح (العالم الرقمي)، وهذا ما يحتم إعادة صياغة الخطط تجاه الأمن القومي.. بحيث تواكب الواقع الراهن. وذلك من حيث سد الفراغ التشريعية، والأهم تأسيس بنية تحتية قوية ذات بعدين حكومي وشعبي، فلم تعد هناك حرب عسكرية بقدر ما أصبحت هناك حرب إعلامية نفسية. وازدادت وسائل الإعلام قوة ونفوذاً. وهذا يتطلب بنياناً معرفياً جديداً للقدرة على السيطرة عليه.