السبت، 15 يوليو 2017

مدى الحاجة إلى نظام لحكم المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية ؟

مدى الحاجة إلى نظام لحكم المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية؟
   
في الثامن من جمادي الآخرة 1435هـ انعقدت ورشة عمل المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية ، برعاية مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية ، وقد شارك في هذه الورشة جمع غفير من العلماء والخبراء ، وكان محفلاً علمياً مقدراً ، استطاعت فيه مدينة الملك عبد الله أن تديره باقتدار. هذا وقد سرني كثيراً أن أكون ضمن المدعوين إلى هذا المحفل العلمي . ومن خلال جلسات الورشة ، دارت نقاشات علمية مختلفة كان من بينها بعض التساؤل حول مدى ضرورة سن نظام للمسؤولية المدنية عن الأضرار النووية  مادامت (اتفاقية فينا) قد فصلت هذا الأمر ومادام أن الاتفاقية نافذة في المملكة بأحكامها، كما ثار نقاش آخر حول مدى انتهاك تنفيذ الأحكام الأجنبية لسيادة الدولة ، ورأيت أن أبين رأيي حول هتين المسألتين :
المسألة الأولى: مدى الحاجة إلى نظام للمسؤولية المدنية عن الأضرار النووية:
رغم أنه متى تم التصديق على إتفاقية دولية من قبل المملكة فإنها تعد نافذة فيها إلا أننا يجب أن نلاحظ أن الإتفاقيات الدولية قد تضع أحكاماً تحكمية ، بحيث لا يجوز مخالفتها من قبل الدول ، ولها في نفس الوقت أن تضع قواعد تجيز للأنظمة الداخلية (الوطنية) أن تخالفها ، فهذه الأحكام المكملة ، جائزة المخالفة ، كما أن الإتفاقيات الدولية قد تترك للأنظمة الداخلية تحديد موقفها إزاء مسألة ما دون أن تفصل فيها الإتفاقية . ناهيك عن أن الإتفاقية الدولية (لاسيما اتفاقية أو بروتوكول فينا) قد تتيح للدولة التحفظ على بعض البنود ومن ثم لا تسري هذه البنود داخل الدولة الطرف .
وهذا بالضبط ما نجده داخل نصوص إتفاقية فينا ، وعلى سبيل المثال نجد أن المادة الأولى تجيز لدولة المنشأة أن تقرر أن المنشآت التابعة لمشغل واحد في موقع واحد تعد بمثابة منشأة نووية واحدة ، كما أن المادة الأولى تترك لقانون المحكمة المختصة أن ينص على أضرار أخرى تنجم عن الحادث النووي ...وهكذا تتعدد القواعد التي تحيل إلى الأنظمة الداخلية لكل دولة طرف بحسب ما تراه محققاً لمصلحتها القومية. ومن ثم فإن وضع نظام للمسؤولية المدنية يعني أن المملكة قد حددت موقفها من هذه المسائل على نحو نظامي . هذا بالإضافة إلى أن وضع الدولة لنظام ينسجم مع الإتفاقية يعد من قبيل الواجهة القانونية والسياسية للدولة ، ولذا فإن دولاً عديدة سنت قوانينها مستهدية بالإتفاقية، كالقانون الهندي والكندي وغيرهما.
النقطة الثانية: هو تنفيذ الأحكام الأجنبية ومدى مساسه بسيادة الدولة: والحقيقة أن هذه النقطة تبدو ساذجة جداً ، لأن تنفيذ الأحكام الأجنبية ليس مستحدثاً على الأنظمة السعودية ، بل أن هذا التنفيذ موجود قبل هذه الإتفاقية ، وكان ديوان المظالم هو المختص بتنفيذ الأحكام الأجنبية ، إلى تم منح هذا الإختصاص للمحاكم المدنية في مواد نظام التنفيذ . وقد وضعت المادة الحادية عشر من هذا النظام شروطاً عديدة ، ومن أهمها شرطان أولهما المعاملة بالمثل ؛ أي أن يكون الحكم صادراً من قضاء دولة تجيز تنفيذ الأحكام الصادرة من المملكة ، والا ينص هذا الحكم على ما يخالف النظام العام ، وهذان هما الشرطان السائدان في أغلب قوانين الدول لأنهما يعبران عن القصد من تنفيذ الأحكام وهو تسهيل تنفيذ العدالة فلا يمكن لورثة المتوفى –على سبيل المثال- الذي يملك أموالاً في المملكة السعودية وبريطانيا وإيطاليا والبرازيل أن يقوموا برفع دعوى الميراث في كل هذه الدول ، إضافة إلى أن قواعد الإسناد في القانون الدولي الخاص تجيز عند رفع دعوى ذات اطراف أجنبية أن تطبق قانون الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء الأطراف أو قانون الدولة التي يوجد بها العقار المتنازع عليه ...الخ . إذن؛ فلا يوجد مساس بسيادة الدولة في هذا الصدد.

أخيراً ، أحيي مدينة الملك عبد الله على إدارتها للورشة إدارة مقتدرة ، وأدعو لها بالتوفيق في مقبل عهدها ، وكان الله من وراء القصد وإلى الله ترجع الأمور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق