الخميس، 28 سبتمبر 2017

سلطة القاضي في التجريم والعقاب




مشاركة مني في احد وسائل التواصل الاجتماعي

لا يمكن اتهام الشريعة الاسلامية بالجمود ﻷنه يجب أولا التفرقة بينها باعتبارها مصادر كلية للحكم الشرعي وبين الفقه الذي يستنبط هذه الأحكام ؛ فالجمود لا يرد على الشريعة ولكن يرد على الفقه ومثال ذلك تعريف المال بأنه كل ما حيز بالفعل من أشياء مادية عند الفقه الاسلامي الكلاسيكي ؛ فهذا تعريف فقهي وليس منصوصا عليه في الكتاب ولا في السنة ومن ثم فإن الجمود لا يرد على هذين المصدرين بل على الاستنباط الفقهي ولذلك فإن تعريف الفقهاء للمال إذا كان صالحا في زمانهم فهو غير صالح في زماننا ﻷن المال الآن يرد على الأشياء المعنوية كما يرد على الأشياء المادية ؛ فالأفكار صارت تقوم بالنقود بل هي أخطر من الأشياء المادية ودونك الصراع حول بعض الافكار  والاختراعات بين شركات الحاسب الآلي التي تصل الى مليارات الدولارات. ومثالها تطبيقات الجوال كمشروع اوبر او تكسي كريم او تطبيقات الالعاب الالكترونية .
فهل علينا أن نلتزم بتعريف الفقهاء القدامى الذين يقولون أن السارق إذا سرق كتابا فلا قطع عليه ﻵن ما يحتويه من أفكار ليس بمال؟ أم أن نأخذ بالنظريات الحديثة التي طورها الفقه . هذا من ناحية من ناحية أخرى فإن القول بأن القاضي يملك مرونة في التجريم والعقاب فهذا خطأ جسيم ؛ ذلك أنه ينافي مبدأ المشروعية من ناحية ويقترب من قانون الكلب من ناحية أخرى ، وقانون الكلب لمن لا يعرفه هو أن صاحب الكلب ينتظر الكلب حتى يخطئ فيقوم بمعاقبته فيدرك الكلب -بعد  العقاب- أن سلوكه غير جائز ، وهذا لا يصلح للبشر فالبشر يجب أن نخطرهم -قبل معاقبتهم- بأن سلوكا ما ليس مشروعا قانونا ، فإذا بلغهم العلم بأن النشاط المحدد غير مشروع ورغم ذلك خالفوه فيجب عليهم العقاب ، وسلطة القاضي في التجريم والعقاب على نحو ما نراه تعني أن القاضي يمكنه معاقبة شخص على سلوك لم يكن هذا الأخير يتصور أنه معاقب عليه فقط ﻷن القاضي رأى أن السلوك غير شرعي. إذا فمبدأ المشروعية يحمي الأفراد من تعسف القضاة بوجوب أن لا يعاقب شخص على جريمة الا بنص نافذ قبل ارتكاب الفعل الاجرامي. 

من ناحية أخرى فإن منح القاضي سلطة التجريم والعقاب ينافي المبادئ الدستورية وأهمها الفصل بين السلطات فلا يتحول القاضي إلى مشرع  ونحن نعلم الضمانات الشكلية والموضوعية التي تراعيها السلطة التشريعية قبل سن النصوص وما تراعيه من اتساق المنظومة التشريعية ككل واحد. من جهة أخرى فإن عملية التجريم والعقاب صارت عملية معقدة وتحتاج إلى فنيين ومتخصصين ، والقاضي ليس فنيا ولا متخصصا كجرائم الحاسب الآلي مثلا ، بل أن الجرعة العقابية تحتاج إلى علماء في العقاب والاجتماع وعلم النفس وذلك حتى تكون العقوبة محققة ﻷغراضها المتوخاة منها كتحقيق الردع العام والردع الخاص واعادة تأهيل المجرم ليستطيع الاندماج في الجماعة بحسب مدرسة الدفاع الاجتماعي.. هذا ما عن لي وإن كان الحديث حول هذا الموضوع يطول شرحه وتفصيله مما يحتاج إلى سانحة أكبر .

حادثة الحرم النبوي والارهاب والتعليم




حادثة الحرم النبوي والارهاب والتعليم

نشر في جريدة الرياض الاحد 5 شوال 1437 الموافق 10 يوليو 2016

كان حادث التفجير قريبا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبجوار قبره الشريف وقبر صاحبيه عليهما رضوان الله أمراً مروعاً لم يتخيل المسلمون حدوثه مهما وصل بالمجرمين الانحراف والحقد والبغضاء والتوحش  فبين باك من هول الحدث وبين متضرع بالدعاء أن ينتقم الله من الفاعل والداعم والمحرض ، يقف وسط هذا المشهد رجال الأمن  بكل حزم مضحين بأرواحهم  ومكافحين  لذيول انهزامية هذا الفكر. تقبل الله جنودنا الشهداء ونصر الله المرابطين على تحقيق الامن  والامان لهذه البلاد المقدسة 

جميعنا يعلم فضل مدينة رسول الله طيبة الطيبة وأنا وغيري  نتساءل عن الكيفية التي يغسل بها دماغ فتى غض  إلى درجة أن يفجر نفسه في مكان مقدس مثل ماحدث في المدينة المنورة ؟ وإجابة هذا التساؤل لا املكها كلها بل أعتقد أن جميع المتخصصين قد حار بهم الأمر وأسقط في يدهم . ولكني أقول أن أحد الأسباب المهمة هي مناهج التعليم ، ولا أقصد بذلك المناهج الدينية ، بل أقصد النسق العام للتعليم  من ضمنه المناهج ؛  ففي التعليم ما قبل الجامعي يعتمد الأمر كله على الحفظ والتسميع ، فلا يوجد تدريب على التفكير الحر والعصف الذهني ولا على المناظرات الفكرية ولا المجادلات المنطقية ، لم يتعلم الصغار أن الحقائق نسبية ، بل هي بالنسبة لهم مطلقة ﻷنهم يتلقون المعلومة ولا يتلقون نقيضها ، فتبدوا الحقائق كلها مصمتة ومطلقة ، لم يتمرن الأطفال على فكرة الشك، فالشك هو أول خطوات البحث عن المعرفة ، بل أن معرفة الله سبحانه وتعالى بدأت بشك أبو الأنبياء سيدنا ابراهيم عليه السلام عندما شك  في الوهية الشمس والقمر والأصنام إلى أن وصل الى معرفة الله وهي المعرفة الكبرى . إن التعليم يجب ألا يمنحنا ثقة مطلقة في الحقائق والمعارف بل على العكس يجب أن يؤكد أن لكل حقيقة وجهها المخالف وأن كل معرفة تتمتع بوجود نسبي. 
أما التعليم الجامعي  ؛ إن هو إلا استمرار في مناهج التلقين ، فلا يوجد تدريب على المناظرات العلمية ولا على السجالات المعرفية ، ولا المناقشات الجدلية ، بل تعليم منهجي صلب ، تلقيني وتخزيني ، حيث يطلب من الطالب أن يحفظ ويخزن المعلومات كحقائق مطلقة ، لقد شاهدت محاضرات لجامعات غربية  تدرب الطالب على التفكير الذاتي وهناك برامج للمناظرات حول مواضيع مختلفة ونقاشات محتدمة حول إشكاليات قديمة وآنية واجهها ويواجهها الفكر الانساني.
إن تفجير المدينة المنورة هو نتاج عقلية  قطعية (دوغمائية ) لم تتدرب على التفكير النقدي ، ونحن نعرف أن البيئة المثالية للإرهاب هي البيئة الجاهلة . وتعليمنا يكرس لهذا الجهل ولذلك فمن المطلوب الآن تحويل المؤسسات التعليمية إلى مؤسسات لتحويل العقل -أي عقل الطالب- إلى عقل نقدي ، باحث ، قلق ، يعلم أنه كما أن البدر مضيئ فإن للقمر وجه آخر مظلم . 

ومن أسباب الإرهاب والمرتبطة بالتعليم الديني ؛ هي عدم التعمق في فكر الاختلاف ؛ ذلك أن الفقهاء رضي الله عنهم قد بينوا لنا أن الاختلاف رحمة وأن كل رجل يؤخذ ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام كما قال أبو حنيفة (نحن رجال وهم رجال) ، فللأسف لا يعكس التعليم الديني سوى رأي واحد نهائي ، ولا يبين الإختلافات الفقهية حول الفروع الفقهية المختلفة ، فاختلاف الفقهاء ليس رحمة فقط ﻷنه يمنحنا عدة طرق لحل المشاكل ، بل أيضا ﻷنه يعلمنا أن الفقه رأي ورأي آخر ويعود بنا إلى نسبية الحقائق. إن الأمن الفكري ليس فقط دفع الشبهات ومدافعة الفكر المتطرف بل هو في تغيير مناهج التعليم الأساسي والجامعي بل وحتى التعليم فوق الجامعي ؛ فلقد رأيت ومن خلال تجربتي العملية وجود باحثين متشددين أيما تشدد في بحوثهم العلمية ، فهم يأخذون بالرأي العسير ويتركون اليسير رغم أن الدين يسر وليس عسر وأن الأصل في الأشياء الإباحة وليس القيد والحظر والمنع ، فهذه كلها أصول وضعها الأصوليون الأقدمون لكي تعين الفقيه على أمره ليعين السائلين من أمة الإسلام.

د. فهد بن نايف الطريسي
استاذ القانون المشارك، جامعة الطائف


رد على مشاركة من زميل افتقدت تعليقه ووجدت ردي

بالنسبة للنقطة الأولى فابتدر ردي بقول الغزالي رحمه الله فى خاتمة كتابه: "ميزان العمل" ، أن "الشكوك هى الموصلة إلى الحق فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقى فى العمى والضلالة"
فالشك ومبدأه كان قبل ديكارت ؛ وهناك نوعان من الشك ؛ شك مذهبي وشك منهجي ، أما الأول فإن الغرض منه هو تقويض أي حقيقة ممكنة وأما الثاني فالغرض منه هو الوصول إلى اليقين . واليقين هو الاقرار بصحة موقف معين والتأكد من صحته بالأدلة والبراهين والحجة . أما شك بروتاغوراس فكان من النوع الأول فهو من قال أن الإنسان مقياس كل شيء. من ما سبق فإننا لا نقصد بشك ابراهيم عليه السلام خروجه عن منطقة اليقين ولكن سيدنا ابراهيم بدأ رحلته إلى الإيمان بالشك ، فهو شك في الأصنام بادئ ذي بدء ، ثم اعتقد في القمر قبل أن يلفظه وكذا في الشمس قبل أن يشك بها وكذا في سائر الكواكب لم يصل إلى اليقين فكانت رحلته رحلة شك في البدايات وقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة  : أن رسول الله  قال: " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : ( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) [ البقرة : 260 ]، ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد، ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي". أعتقد الكثير من المفسرين أن اعتبار سيدنا ابراهيم قد شك -في هذه الآية-منقصة منه ، ولكننا نرى عكس ذلك فابراهيم لم يشك في الامكان بل في الكيف لتدعيم يقينه ولذلك قال أرني (كيف) تحيي الموتى . فابراهيم لم يشك شكا مذهبيا بل ولا حتى منهجيا بل كان يبغى الوصول الى اليقين ولكن لا ينفي هذا أن رحلة سيدنا ابراهيم بدأت مع الشك في الأصنام والشمس والقمر وخلافه.
بالنسبة للنقطة الثانية وهي نسبية الحقائق ؛ فهي مرحلة ما قبل اليقين أما إن بلغنا اليقين فتلك قضية أخرى . بالنسبة للعقيدة والدين فالأصل فيها -بعد الفطرة-التوريث والذين يعتمدون على التوريث لا يشكون بل يؤمنون بما آمن به آباؤهم ولا يتساءلون ﻷن وجه الحقيقة عندهم مطلق ، وهؤلاء لو أنهم تركوا المطلق واعتقدوا في نسبية ما يملكون لبلغوا الدين الحق ولذلك تجد أن من يسلم من الغربيين يكون أكثر امساكا بجمرة الدين من غيره ﻷنه لم يصل الى المطلق إلا من خلال النسبي . ومن جهة ثانية فإن ماهو مطلق لنا نسبي لغيرنا وماهو مطلق لغيرنا نسبي لنا فهذه من ابتلاءات الله تعالى للإنسان  ولذلك قال تعالى (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين) الأنعام 35. فأنظر كيف أن الله تعالى قد نعت من يخالف النسبية عند البشر بالجهل ، وهي النسبية التي أدت الى تنوع الأديان والمذاهب والطوائف كل بما لديهم فرحون . 

أما بالنسبة لنقطة هم رجال ونحن رجال ، فالحق فيها أن العلم له ثلاث مراتب أولاها مرتبة علم الخاصة وثانيهما مرتبة علم العوام وبينهما مرتبة وسطى ﻷنصاف العلماء وأنصاف المفكرين وبالتالي فإن القصد من جملة نحن رجال وهم رجال ليس أن ننخفض بمرتبة العلم الى معرفة العوام وهذا مما هو معلوم بالضرورة من سياق الحديث.

النخب القانونية




سنت المملكة العربية السعودية العديد من الأنظمة والقوانين المنظمة لجوانب الحياة، بل أنها سبقت العديد من الدول الأخرى في إصدارها للعديد من القوانين والأنظمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد المملكة قد أصدرت قانون لمكافحة الإجرام المعلوماتي، في حين نجد أن هناك دولاً أخرى كمصر لم يصدر فيها إلى الآن قانون خاص بمكافحة الجرائم الإلكترونية والمعلوماتية.
ونحن نرى أن المشكلة ليست في عدم وجود الأنظمة والقوانين أو قلتها، فكما قلنا أن المملكة أصدرت وسنت الكثير من القوانين والأنظمة، ولكن المشكلة الأكبر تكمن في غياب النخب القانونية عن معظم مؤسسات المملكة.
فحتى وقتنا هذا لا يوجد نقابة للمحامين، كما أنه يوجد الكثير من المؤسسات القانونية ويكون رئيسها غير دارس للقانون، وإنما قد يكون متخصصاً شرعياً مثل هيئة التحقيق والإدعاء العام، وكثير من الإدارات القانونية في المؤسسات القانونية تغيب عنها النخب القانونية.
ذلك أن الشرع عبارة عن كليات ، في حين أن القانون هو تحريك لهذه الكليات في مساق الشرح والتفسير والتطوير ، وقد انبثقت –منذ عقود- نظريات قانونية حديثة أخذت في التطور ، كنظرية الشخصية المعنوية ، ومبدأ الشرعية ، ونظريات بارتان وجارسون وخلاف ذلك الكثير في أفرع القانون المختلفة ، في حين ظل التراث  –بكلاسيكيته- يحكم قمة الشرع رغم أن الأخير كان يجب عليه التحرك للأمام عبر دمج الكلي بالتفصيلي وبالوضع في الاعتبار التراكمات المعرفية الإنسانية كأداة أساسية لتطوير الخطاب الشرعي. 
ونحن نؤكد أن وجود النخب القانونية في جميع مؤسسات الدولة بات أمراً في غاية الأهمية، بل وأصبح ضرورة حتمية لا سيما أن تلك النخب هي القادرة على تفعيل النص القانوني وتطبيقه وفق النظريات الحديثة . وفي الحقيقة لا نبالغ إذا قلنا أن غياب النخب القانونية حال دون التقدم التنموي المنشود في كثير من القطاعات الموجودة في المملكة العربية السعودية.
ولعل ما يؤكد وجهة نظرنا أن غياب تلك النخب في مؤسسات الدولة من شأنه أن يعمل على انتشار الفساد أو على الأقل يسهل من انتشاره، ولا يخفى على أحد أن الفساد يعد آفة خطيرة يمكن أن تصيب أي مجتمع؛ فهو ينخر كما ينخر السوس في الخشب، ومثلما ينخر السرطان في الجسم؛ فالفساد يُضعف من الجهود المبذولة لتعزيز التنمية، ويعد عائقاً أمام تحقيقها، كما يهدر الأموال العامة ويعرض أمن المواطن للخطر، كما يعرض أمن الدولة للتهديد.
من هنا تتضح أهمية وجود النخب القانونية في كافة مؤسسات الدولة، ويمكن أن يبرر ذلك من عدة وجوه نذكر منها ما يلي:
وجود مثل هذه النخب من شأنه أن يعمل على إرساء معالم التطور والتغيير في المجتمع، ولا سيما إقامة الحكم العادل، ومكافحة الفساد.
إن وجود النخب القانونية من شأنه أن يعمل على تكريس سيادة القانون، والعمل على تفعيل الكثير من الأنظمة القانونية التي صدرت، ولكنها لم تفعل بالشكل المطلوب ولا تتفق مع الغرض التي صدرت من أجله.
إن وجود النخب القانونية يقلل من فرص استغلال الثغرات القانونية من قبل الفاسدين في المؤسسة.
*إن غياب النخب القانونية عن مؤسسات الدولة هو في نظرنا يعد من أهم معوقات محاربة ظاهرة الفساد والرشوة داخل مؤسسات الدولة.
ولا يسعنا في النهاية إلا أن نؤكد أن وجود نخب قانونية في كافة مؤسسات الدولة، وكذلك ترسيخ حكم القانون، وتطبيقه بكفاءة وفاعلية من شأنه أن يقضي على الفساد، وبالتالي يعم الخير، وتتحقق الرفاة في المجتمع، ويصبح المجتمع مجتمعاً مثالياً، ويصبح تربة خصبة للتغيير والتطور، والتقدم، والوقوف في مصاف الدول المتقدمة.
الأمر الذي يدعونا في النهاية إلى القول بأهمية الحاجة إلى وجود النخب القانونية، ولا يتأتي ذلك إلا بالإيمان الشديد من قبل القيادات بأهمية الحاجة إلى وجود تلك النخب، الأمر الذي يستدعي ضرورة إعادة هيكلة لمؤسسات الدولة، والعمل على وجود النخب القانونية في هذه المؤسسات.



التنمر الفكري





تواجه خطط وبرامج التطوير الكثير من التحديات، ولعل من أبرزها في وقتنا الحاضر، ظهور العديد من الجماعات والأشخاص يشتركون في رفع شعارات تحمل الصبغة الدينية في ظاهرها، وتتخذ من الإسلام ستارا لها.
وتحاول الوصول إلى أهدافها وغايتها عن طريق استخدام العديد من الأساليب والوسائل بإشعال العاطفة الدينية واستغلال طبيعة مجتمعنا المتدين بطبعه، ومن الوسائل التي تستخدمها تلك الجماعات ما يمكن أن نطلق عليه العنف الفكري.
والذي يعرف بأنه: “العنف المعنوي، الذي يصادر الحريات، ويسيطر على الإرادة، ويعمي العقول؛ حيث يصبح الفرد البشري مجرد آلة أو أداة يتم التحكم بها من أجل خدمة جماعة بعينها، تستخدم العنف الفكري سبيلا؛ لتحقيق أهدافها المشبوهة”.
وللعنف الفكري دلائل؛ من أهمها: الفكر المتشدد الذي لا يؤمن بحرية الإنسان وفكره، أو ما يمكن أن نطلق عليه التعصب للرأي، ويتمثل ذلك أيضًا في إلغاء الآخرين وتهميشهم، والحجر على آراء المخالفين، وإقصائهم، وعدم قبول أي فكر أو رأي معارض لفكرهم.
ولعل أخطر ما يمثله العنف الفكري، هو تتبنى أيديولوجيا حزبية، تقوم على الإقصاء والتشكيك، وشيطنة المجتمع تارة والمسؤول تارة اخرى، وتجييش الاتباع والتهديد بزعزعة الأمان الوظيفي وتصل إلى الإضرار المعنوي والنفسي؛ وصولا لاحتماليات التصفية الجسدية والإقصاء، وغيرها من أساليب العنف الأخرى، ومما يزيد من خطورة العنف الفكري هو أن الشباب هم أكثر الفئات العمرية التي تقع تحت براثن هذا العنف.
وبصورة أكثر إيضاحا يمكن القول بأن العنف الفكري يترتب عليه أخطار وأثار سلبية تنعكس على المجتمع، حيث يعمل على تهديد الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لأي مجتمع، وكيف لا يؤدي إلى تلك الآثار السلبية، وهو يعد أحد أشكال الإرهاب، ولا يخفى على أحد الآثار السلبية للإرهاب.
ونظرًا لخطورة العنف الفكري، فلابد من مجابهته، الأمر الذي يحتاج إلى تضافر جميع مؤسسات الدولة، وتتم تلك المجابهة من خلال عدة أساليب، من أهمها ما يلي:
إن الدور الأساسي في مجابهة العنف الفكري يقع على عاتق النخب المثقفة في المقام الأول؛ ويمكن أن يتم ذلك من خلال تفعيل مجموعة من الأنشطة الحوارية، والدراسات والبحوث، والكتابات، والمؤتمرات، التي تهدف إلى تصحيح الأفكار والمعتقدات، وتنقية العقول المنحرفة من الشوائب التي علقت بها ، ومنع العقول الأخرى من الانحدار في بؤرة الانحراف والشذوذ والتطرف والتعصب الفكري.
يقع أيضًا على عاتق مؤسسات الدولة على اختلاف أنواعها القيام بدور فعال في مواجهة ظاهرة العنف بكافة أشكاله –ولا سيما العنف الفكري-، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال قيام تلك المؤسسات بتحصين الشباب من الوقوع في براثن الانحراف الفكري.
كما يجب العمل على تفعيل استراتيجية الأمن الفكري، لما له من أهمية كبيرة في التحصين الأخلاقي، والعقائدي، والفكري، فالأمن الفكري يعمل على تهذيب العقول وحفظ النفس، كما أنه يمثل ضمانة هامة للمجتمع ضد التطرف الفكري والإرهاب. كما يجب مواجهة ثقافة الكراهية وشيطنة المجتمع بنشر ثقافة الفرح وتعزيز الثقة.
وأخيرا: قد يقول قائل إن العربة تسير في الاتجاه الصحيح وأقول: نعم هي كذلك مع انطلاق رؤية ٢٠٣٠ وبرنامج التحول الوطني ٢٠٢٠ ولكني أضيف ومع ذلك يبرز التنمر الفكري؛ ليصل إلى حد التطرف والإرهاب ليضع العصاء في دولاب عجلة التقدم ليس لأهداف سامية إنما لأهداف أيديولوجية مزايدة.
د. فهد بن نايف الطريسي
أستاذ القانون المشارك – جامعة الطائف

برنامج التحول الوطني





برنامج التحول الوطني ؛ هو ثورة حداثوية بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، إنه قطيعة مع الماضي وبناء للمستقبل الذي من المفترض أن تكون عليه المملكة . فهو ليس رؤية بقدر ما هو برنامج نهضوي ، وربما كانت أزمة انخفاض اسعار النفط هي الدافع فرب ضارة نافعة وربما كانت رؤية دافعها مواكبة العولمة الاقتصادية والثقافية والأمنية ، أي الأمن بمفهومه العام الواسع الذي يشمل الأمن الاقتصادي والسلام الاجتماعي ، انطلق البرنامج ليحقق تحريرا اقتصاديا شاملا ، دون نسيان دور الحكومة في دعم الشرائح الضعيفة وتوفير مناخ معيشي صحي لها ، ولكن الأهم هو التحول الى التحرير الاقتصادي ، وبالنسبة لي كقانوني فإنه يعني إعادة فحص وسن قوانين جديدة أكثر انفتاحا على العولمة ، أي أننا سنواجه بثورة تشريعية مقابلة لكي يسير هذا البرنامج على قدمين ويتحول من رؤى إلى واقع معيش .

سيؤدي هذا التحول الاقتصادي الى التحول لاقتصاد السوق ومن ثم توفير فرص للقطاع الخاص وللاستثمار ومن ثم تخفيف تدخل الحكومة في الأداء الاقتصادي إلا ما يحقق التوازن وهو بالتالي ليس برنامجا رأسماليا بقدر ما هو  اجتماعي ، وأعتقد أنه سيحتاج الى حراك من كافة الجهات المعنية بالتنفيذ ونقل ما على الورق إلى الحياة المعيشة ، أي أننا سنشهد حراكا ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقانونيا عدليا ، وسنشهد حراك من داخل القطاع العام الحكومي لبلورة الرؤية الى الواقع.

وبما أن هذا البرنامج نتاج لعزم سياسي وتحت رعاية واشراف مباشر من ولي ولي العهد فإنه سيتميز بالجدية والمثابرة بروح شبابية وثابة ومتطلعة الى التفوق. 
إن صح هذا البرنامج وصدق تفعيله الى الواقع فإنه قد آن لنا الاحتفاء به وجعله يوم عيد وطني ، فالمملكة الآن تخرج من عباءة الاقتصاد الريعي الى التنوع الاقتصادي وتنويع موارد الدولة بما يعني نموا عاما لكافة امكانيات هذا الوطن الممتلئ بالخيرات والبركات  . 

وفق الله ولاة أمورنا لما فيه الخير وندعو الله أن يحقق طموحات قادتنا في تحويل المملكة الى نمر اقتصادي جديدة في القارة الآسيوية والشرق الأوسط والوطن العربي.

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية د.فهد بن نائف الطريسي أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف ...