الخميس، 28 سبتمبر 2017

النخب القانونية




سنت المملكة العربية السعودية العديد من الأنظمة والقوانين المنظمة لجوانب الحياة، بل أنها سبقت العديد من الدول الأخرى في إصدارها للعديد من القوانين والأنظمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد المملكة قد أصدرت قانون لمكافحة الإجرام المعلوماتي، في حين نجد أن هناك دولاً أخرى كمصر لم يصدر فيها إلى الآن قانون خاص بمكافحة الجرائم الإلكترونية والمعلوماتية.
ونحن نرى أن المشكلة ليست في عدم وجود الأنظمة والقوانين أو قلتها، فكما قلنا أن المملكة أصدرت وسنت الكثير من القوانين والأنظمة، ولكن المشكلة الأكبر تكمن في غياب النخب القانونية عن معظم مؤسسات المملكة.
فحتى وقتنا هذا لا يوجد نقابة للمحامين، كما أنه يوجد الكثير من المؤسسات القانونية ويكون رئيسها غير دارس للقانون، وإنما قد يكون متخصصاً شرعياً مثل هيئة التحقيق والإدعاء العام، وكثير من الإدارات القانونية في المؤسسات القانونية تغيب عنها النخب القانونية.
ذلك أن الشرع عبارة عن كليات ، في حين أن القانون هو تحريك لهذه الكليات في مساق الشرح والتفسير والتطوير ، وقد انبثقت –منذ عقود- نظريات قانونية حديثة أخذت في التطور ، كنظرية الشخصية المعنوية ، ومبدأ الشرعية ، ونظريات بارتان وجارسون وخلاف ذلك الكثير في أفرع القانون المختلفة ، في حين ظل التراث  –بكلاسيكيته- يحكم قمة الشرع رغم أن الأخير كان يجب عليه التحرك للأمام عبر دمج الكلي بالتفصيلي وبالوضع في الاعتبار التراكمات المعرفية الإنسانية كأداة أساسية لتطوير الخطاب الشرعي. 
ونحن نؤكد أن وجود النخب القانونية في جميع مؤسسات الدولة بات أمراً في غاية الأهمية، بل وأصبح ضرورة حتمية لا سيما أن تلك النخب هي القادرة على تفعيل النص القانوني وتطبيقه وفق النظريات الحديثة . وفي الحقيقة لا نبالغ إذا قلنا أن غياب النخب القانونية حال دون التقدم التنموي المنشود في كثير من القطاعات الموجودة في المملكة العربية السعودية.
ولعل ما يؤكد وجهة نظرنا أن غياب تلك النخب في مؤسسات الدولة من شأنه أن يعمل على انتشار الفساد أو على الأقل يسهل من انتشاره، ولا يخفى على أحد أن الفساد يعد آفة خطيرة يمكن أن تصيب أي مجتمع؛ فهو ينخر كما ينخر السوس في الخشب، ومثلما ينخر السرطان في الجسم؛ فالفساد يُضعف من الجهود المبذولة لتعزيز التنمية، ويعد عائقاً أمام تحقيقها، كما يهدر الأموال العامة ويعرض أمن المواطن للخطر، كما يعرض أمن الدولة للتهديد.
من هنا تتضح أهمية وجود النخب القانونية في كافة مؤسسات الدولة، ويمكن أن يبرر ذلك من عدة وجوه نذكر منها ما يلي:
وجود مثل هذه النخب من شأنه أن يعمل على إرساء معالم التطور والتغيير في المجتمع، ولا سيما إقامة الحكم العادل، ومكافحة الفساد.
إن وجود النخب القانونية من شأنه أن يعمل على تكريس سيادة القانون، والعمل على تفعيل الكثير من الأنظمة القانونية التي صدرت، ولكنها لم تفعل بالشكل المطلوب ولا تتفق مع الغرض التي صدرت من أجله.
إن وجود النخب القانونية يقلل من فرص استغلال الثغرات القانونية من قبل الفاسدين في المؤسسة.
*إن غياب النخب القانونية عن مؤسسات الدولة هو في نظرنا يعد من أهم معوقات محاربة ظاهرة الفساد والرشوة داخل مؤسسات الدولة.
ولا يسعنا في النهاية إلا أن نؤكد أن وجود نخب قانونية في كافة مؤسسات الدولة، وكذلك ترسيخ حكم القانون، وتطبيقه بكفاءة وفاعلية من شأنه أن يقضي على الفساد، وبالتالي يعم الخير، وتتحقق الرفاة في المجتمع، ويصبح المجتمع مجتمعاً مثالياً، ويصبح تربة خصبة للتغيير والتطور، والتقدم، والوقوف في مصاف الدول المتقدمة.
الأمر الذي يدعونا في النهاية إلى القول بأهمية الحاجة إلى وجود النخب القانونية، ولا يتأتي ذلك إلا بالإيمان الشديد من قبل القيادات بأهمية الحاجة إلى وجود تلك النخب، الأمر الذي يستدعي ضرورة إعادة هيكلة لمؤسسات الدولة، والعمل على وجود النخب القانونية في هذه المؤسسات.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية د.فهد بن نائف الطريسي أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف ...