15 سبتمبر... المصدر الخفي
هل سمعتم ب “تجمع العاطلين 30 أبريل” “حراك 7 رمضان” ، قلة هم من سمعوا بهاتين الدعوتين ، وهي دعوات لم تجد لها أي صدى في الشارع السعودي ، وغاصت في أعماق النسيان ، وذلك ببساطة لأن أي طفل يستطيع أن يدخل الى تويتر ويدعوا الى خوض حرب عالمية ثالثة . لذا فأغلب هذه النداءات أو ما يطلق عليها الشباب هاشتاقات تذروها رياح التجاهل وتنتهي بلا مصب. مع ذلك فهاشتاق 15 سبتمبر لم يكن كذلك ، ففجأة انتشر الهاشتاق وظهرت مواقع الكترونية قامت بتبنيه والاعلان عنه ، وهناك بعض المواقع نشأت قبل اسبوع فقط من الهاشتاق حتى أن محتواها فقير جدا . طبعا عملية التلميع الالكتروني هذه لها شركات عالمية متخصصة ، فهذه الشركات تستطيع خلال ايام فقط جعل أكثر المطربين المغمورين بؤسا ، من كبار المشاهير ، وهذه احدى كوارث الرأسمالية ، فهذه الشركات -وبحسب ما يدفع اليها من أموال- تقوم بانشاء مواقع متخصصة لنشر معلومة او نداءات سياسية او اشهار مطربين او فنانين ، كما تستطيع أن تجعل من تغريدة صغيرة في تويتر قضية رأي عام عالمي . ومن الواضح ان نداء ما يسمى بحراك 15 سبتمبر استند هو أيضا لعمل هذه الشركات العالمية ، فخلال ايام فقط ظهرت هذه المواقع الجديدة وظهرت شخصيات باسماء وهمية في وسائل التواصل الاجتماعي . لكن الملفت للنظر أن قطر لم تكتف فقط بذلك بل وضعت بصماتها على أداة الجريمة لتضبط في حالة تلبس red-handed حينما جاء بيان الحراك على تويتر متضمنا سيرة قطر وكأنما هذا الحراك هو رد فعل قطري أو لتعلن قطر مسؤوليتها عنه بشكل موارب قليلا او كما قال سهل بن مالك الفزاري:(اياك اعني واسمعي يا جارة) .
لكن أعتقد أن محاولات قطر مدفوعة الاجر لاشهار هذا الهاشتاق قد انقلبت عليها ، فالشعب السعودي انقض على الهاشتاق وغرد ضد فكرته بل اعتبر البعض أن هذا اليوم المحدد للتظاهر فرصة لاعادة البيعة والوقوف خلف الوحدة الوطنية في لحمة متلاحمة . فانقلب السحر على الساحر وبهت الذي فجر ، وكان من المخذولين.
إن محاولات قطر هذه ليست أكثر من لعب أطفال ، بل أكثر سذاجة من ذلك ، وذلك جهلا منها بالمكون السياسي والشعبي للمملكة العربية السعودية ، لقد كانت قناة الجزيرة القطرية تمارس نفس هذه اللعبة في السنوات الماضية ضد الدول والشعوب العربية الأخرى لتحقق -في عمالة لا تحتاج لقوة نظر- سياسات تقسيم وتدمير هذه الدول الجارة لها ، وتشريد أهلها . قطر تحاول ممارسة اللعبة البئيسة هذه المرة مع المملكة دون أن تدري أن المملكة (تاريخيا ، وجماهيريا ، وسياسيا) مختلفة كل الاختلاف عن غيرها من الدول العربية . لكن محاولة قطر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من خلف ستار الشاشات يكشف ايضا و بوضوح عن ضعف النظام القطري ، وأن إمكانياته باتت محدودة بعد أن صارت قناة الجزيرة -مطيته الأولى- سلاحا بلا ذخيرة ، ومؤسسة مكشوفة لدى العالم بأسره ، وصار الجميع يعرفون سياسات هذه القناة الإرهابية التدميرية. ففقدت قناة الجزيرة وهي السلاح الوحيد الذي كانت تملكه قطر ، فقدت مصداقيتها تماما وتحولت لقناة شديدة العبثية بحيث تفوقت على عبثيات صمويل بيكيت ، وقد ضاق الخناق عليها حتى صارت بوقا لتنظيم الاخوان وغيره من التنظيمات الإرهابية حول العالم. ومن ثم فلم يعد أمام قطر سوى انفاق مليارات الدولارات لتمارس ذات لعبتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، ولكنها لم تكن تدري الاختلاف الكبير بين الاعلام التلفزيوني والاعلام الرقمي ، فالاعلام الرقمي لا يستطيع أن يصمد طويلا أمام الحقائق ، ولا تستطيع أكاذيبه الاستمرار في سيرها بدون ان تواجه برغبة الباحثين عن الحقيقة ، والذين -وبضغطة اصبع- يمكنهم معرفة ما إذا كانت جملة خبرية واحدة صادقة أم كاذبة. نحن في عصر المعلوماتية ، وهو عصر يقوده الشباب وليس نحن ، فالشباب الآن هو الأكثر تخصصا بأدوات جيله ، وهو الأكثر اندماجا في الثقافة الرقمية وهو أيضا الأكثر سرعة في التقاط المعلومة ووزنها من حيث الصحة أو البطلان .
ولذلك فان فشل ما يسمى بحراك 15 سبتمبر كان أمرا طبيعيا جدا ، لأنه لم يستند الى قوة على الأرض ولا على دوافع حقيقية ولا على جماهيرية تمنحه قوة الحضور اللازمة.
د. فهد بن نايف الطريسي
استاذ القانون المشارك بجامعة الطائف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق