كندا هل سوء نية أم جهل بالقانون الدولي
د.فهد بن نايف الطريسي
استاذ القانون المشارك بجامعة الطائف
أولا: مقدمة كإطار تعريفي عام:
كان واضحا لكل من لديه خلفية حقوقية بسيطة
عن القانون الدولي أن كندا لم تطلق تلك التصريحات بحسن نية؛ وانما لتحقيق أغراض
لها ما بعدها. فالهدف المعلن وهو حقوق المرأة كما قالت المسؤولة الكندية؛ له
منابره الدولية التي تواضع المجتمع الدولي بأسره على تخصيصها للنقاش حول هذا الأمر
وبآليات أممية. ولم يمنح القانون الدولي لأي دولة حق التدخل في مسائل داخلية تتعلق
بالسيادة القانونية الوطنية تشريعا وتطبيقا وتنفيذا. بل ليس الأمر كذلك فقط؛
فالقانون الدولي -على ما سنكشف عنه لمن ليس لهم إلمام بالقانون الدولي-يقيد حتى
الأمم المتحدة والتي هي نتاج إرادات جميع الدول المنضوية تحتها ويحول بينها وبين
اقحام الأمم المتحدة فيما يتعلق بسيادات الدول الأعضاء.
ثانيا: انتهاك كندا للقانون الدولي (ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات
فينا الدبلوماسية) نموذجا:
(1) نصت المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة في
فقرتيها الأولى والسابعة على الآتي:
(تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين
جميع اعضائها).
(ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن
تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي للدولة).
إذن ومن حيث المبدأ فليس فقط يمتنع على دولة أن
تتدخل في شؤون داخلية لدولة أخرى بل حتى الأمم المتحدة بآلياتها المختلفة لا يجوز
لها ذلك؛ بل ولا يجوز لأي دولة أن تطرح على الأمم المتحدة مسائل مما يتعلق بمحض
سيادة دولة أخرى.
(2) نصت المادة (41) من اتفاقية فينا للعلاقات
الدبلوماسية لسنة 1961 على الآتي:
(مع عدم المساس بالمزايا والحصانات على الاشخاص
الذين يتمتعون بها احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها، وعليهم كذلك واجب
عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول.
كل المسائل الرسمية المعهود بحثها لبعثة الدولة
المعتمدة مع الدولة المعتمد لديها يجب أن تبحث مع وزارة خارجية الدولة المعتمد
لديها عن طريقها أو مع أي وزارة متفق عليها).
وهذا النص في حد ذاته يبين أن الاتفاقية تؤكد على
احترام سيادة كل دولة للدول الأخرى فليس فقط لا يجوز لها أن تتدخل في مسائل هي من
صميم السيادة الداخلية لتلك الدول؛ بل فوق هذا فهناك مسارات محددة لمناقشة أي
مواضيع لا يجوز للدول الخروج عنها. وليس من ضمن ذلك اصدار بيانات ذات طابع عدائي
او تخويني أو يمس بأمن الدول الأخرى ونظامها العام.
فهل الحكومة الكندية لم تكن تدرك كل ما سبق؟ ربما
يكون الأمر كذلك فالمسؤولين الذين تم تعيينهم في الحكومة الكندية الأخيرة واضح
تماما عدم تمتعهم بالخبرة والحذق اللازم عند مخاطبتهم للدول الأخرى وينحون الى
خطابات استعراضية show. ولكن هذا لا ينفي أيضا
أن استمرار تصريحات المسؤولين الكنديين حتى كتابة هذه الورقة دليل على انطواء تلك
التصريحات على عدم حسن نية وقصد مبيت. والهدف هو ليس حقوق المرأة والانسان -لأن
مسألة حقوق المرأة لها مساراتها الخاصة بها في القانون الدولي-وانما الغرض خلق
أزمة مجتمعية وأمنية وسياسية داخل المملكة، عبر النيل من هيبة نظامها العدلي
والقانوني والمؤسسات المرتبطة به. هناك قضايا مستمرة في كندا تتعلق بسوء معاملة
السود والعرب والمسلمين؛ قد تصل الى حد العنف بل والقتل بدم بارد، وهذه الجرائم
تنال حظها من الخضوع للقوانين الكندية الداخلية بدءا من التحقيقات والتحريات وانتهاء
بالمحاكمة ومع ذلك لم تصدر المملكة ابدا اي تصريح يحاول النيل من الأنظمة
القانونية الكندية. لأن هذا يعد شأنا داخليا تحترمه المملكة ولا تحاول زعزعة ثقة
الشعب أو في الحقيقة الشعوب الكندية في نظامها القانوني. وكان على المسؤولين في
الحكومة الكندية التعلم وأخذ دروس من الإدارة السياسية والدبلوماسية السعودية لفهم
هذه الضوابط الدولية في إدارة العلاقات الدولية.
ثالثا: الآليات الدولية الخاصة بدعم حقوق الانسان:
لا شك أن المملكة لها تاريخ طويل في
المشاركة في تأسيس الآليات الدولية لحقوق الإنسان ومن ضمنها حقوق المرأة وغيرها؛
هذه الآليات هي وحدها التي تواضع المجتمع الدولي على كونها الوسيلة لمتابعة تنفيذ
الاتفاقيات والعهود الدولية في هذا الصدد. وليس من ضمن تلك الآليات أي تفويض لدولة
أخرى للقيام باختصاصاتها وصلاحيتها؛ لا كندا ولا غيرها من الدول. وتشارك المملكة
بفاعلية كبيرة تمت الاشادة بها من قبل هذه الآليات بل ونالت المملكة مقاعد قيادية
في إدارتها، من ضمن هذه الآليات:
▪مجلس الأمن؛ ولمجلس الأمن سلطات واسعة في مجال
مراقبة حقوق الانسان في مناطق النزاعات.
▪اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم
المتحدة (اللجنة الاجتماعية والانسانية والثقافية) من حيث الابحاث والدراسات
والتقارير الخاصة بحقوق الانسان.
▪آلية تعميم مراعاة حقوق الانسان.
▪مجلس حقوق الانسان.
▪لجنة وضع المرأة وهيئة الامم المتحدة للمرأة.
هذه بعض من آليات طرح قضايا حقوق الانسان وفقا
للقانون الدولي؛ فهل لجأت الحكومة الكندية الى أي منها؟
إن الاساس الذي بني عليه القانون الدولي هو تحقيق
السلام والإخاء والاحترام المتبادل بين الدول؛ ولذلك أكد على عدم أحقية أي دولة
بالمساس بسيادة دولة أخرى. والقانون الدولي بشكل عام وضع هذه المبادئ التي تحقق
الخطاب السياسي المعتدل ذلك الذي يتجنب الوقاحة أو الصلف، وشكل القانون الدولي
آليات يمكن النفاذ من خلالها لإبداء اي مسألة تهم المجتمع الدولي وتنحو الى تعزيز
السلم والأمن الدوليين.
فهل كانت الحكومة الكندية تجهل كل هذه المبادئ
والمفاهيم حينما تجاوزت حدود اللياقة والأدب والدبلوماسية وضوابط القانون الدولي
عبر تصريحات غير مسؤولة من مسؤولين غير مسؤولين؟
بالتأكيد لا؛ لم تكن الحكومة الكندية تجهل ذلك؛
وهذا في حد ذاته يشي بسوء نية ما انطوت عليه تلك التصريحات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق