السبت، 15 يوليو 2017

علاقة القانون بالأخلاق

علاقة القانون بالأخلاق
دكتور فهد بن نايف الطريسي

"إن ما يسمح به القانون لا يكون دوماً موافقاً للأخلاق" هكذا كان يرى أحد كبار فقهاء الرومان الفقيه (بول)، ويذهب إلى نفس المعنى الفقيه الفرنسي (بورتاليس)؛ حيث يقول: "ما لا يكون مخالفاً للقوانين فهو مشروع، ولكن ليس كل ما هو مطابق للقوانين يكون دوماً شريفاً، لأن القوانين إنما تهتم بالمصلحة السياسية للمجتمع أكثر من اهتمامها بالكمال الخلقي للإنسان".
ولكن هل هذا يعني أن هناك فارقاً بين القانون والأخلاق؟، أو بعبارة أخرى هل هذا يعني أنه لا توجد علاقة بين القانون والأخلاق؟.
إن ما ذهب إليه هذين الفقهيين يشير بلا خلاف إلى وجود فارق واختلاف بين القانون والأخلاق، وهذا ما نسلم به، ولكن ليس معنى ذلك أنه لا توجد علاقة بين القانون والأخلاق، فالعلاقة موجودة بل وتوصف بأنها علاقة وثيقة وحميمة، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن القانون مستمد من الأخلاق.
ولعل هذا المثال يوضح ما نعنيه بأن القانون مستمد من الأخلاق؛ فالقانون يجرم القتل والسرقة، ويأمر بالوفاء بالعقود، وأداء الديون، ولا شك أن هذه قواعد أخلاقية في المقام الأول، وبالتالي فيمكن القول بأن هذه القواعد تشكل قواعد قانونية وأخلاقية في آن واحد.
وإذا نظرنا إلى هدف كل من القانون والأخلاق لوجدنا أنهما يشتركان في الهدف، ولكن غاية ما هنالك أن غاية الأخلاق تتسم بالشمول والمثالية أكثر من غاية القانون؛ فالقانون يهدف إلى تحقيق العدل والمساواة، والاستقرار في المجتمع، أما الأخلاق فهي تذهب إلى أكثر من ذلك؛ فهي تحاول الوصول بالفرد نحو الكمال، وبالمجتمع نحو المثالية.
ولكن وجود هذه العلاقة الحميمة بين القانون والأخلاق لا يعني وجود فوارق بينهما، فقد جرى الفقه القانوني على التمييز بين القواعد القانونية والقواعد الأخلاقية من حيث النطاق والجزاء، والغرض: فمن حيث النطاق فإن نطاق الأخلاق أوسع وأعم من نطاق القانون، فالقانون لا يهتم إلا بالأفعال الخارجية التي تشكل جريمة، في حين أن الأخلاق تهتم بالأفعال الخارجية والداخلية (النوايا والمقاصد)، ومن حيث الغرض فكما ذكرنا أن غاية الأخلاق تتسم بالشمول والمثالية، وأما من حيث الجزاء فإن مخالفة القواعد القانونية يترتب عليه توقيع جزاء مادي على المخالف من جانب الدولة، بينما مخالفة قواعد الأخلاق يترتب عليها جزاء معنوي يتمثل في ازدراء المجتمع، والشعور بالخزي والعار واحتقار الناس واستنكارهم.
ومن هنا يمكننا القول بأنه على الرغم من وجود فوارق بين القانون والأخلاق، إلا أن العلاقة بينهما إنما هي علاقة وثيقة وحميمة، وعلى حد قول الفقيه (ريبير): "إن القاعدة الأخلاقية تحاول دائما أن تصبح قاعدة قانونية"، ونحن نكمل هذا القول بأن القواعد القانونية مستمد أغلبها من القواعد الأخلاقية، وأن أي مجتمع سليم لا يستطيع أن يستغني عن القانون أو الأخلاق بل لابد منهما معاً، حيث يكمل كلاً منهما الآخر، فهما وجهان لعملة واحدة، فالقانون تضعه الدولة من أجل سلامة المجتمع، بيد أن الأخلاق هي وظيفة المجتمع ومسئوليته نحو رقي الفرد وسموه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق