الجمعة، 22 مايو 2020

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية





https://mail.google.com/mail/u/0/images/cleardot.gif


نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية
د.فهد بن نائف الطريسي
أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف

    يجرم النظام عبر الأمر الملكي رقم ١٦٨٢٠، تأييد التنظيمات والجماعات الارهابية أو التعاطف معها. كما نص ذات الامر بأن المخالف ستتم محاسبته على المخالفات السابقة واللاحقة لهذا النظام.
وسنحاول هنا وباختصار نرجو ألا يكون مخلا بيان حدود التجريم في مسألتين موضوعيتين، ومسألة شكلية، اما المسألتان الموضوعيتان، فهما حدود التأييد والتعاطف، وأما المسألة الشكلية فهي حدود تطبيق هذا الأمر من حيث الزمان.
لقد شكل الإرهاب منذ أكثر من ثلاثة عقود تهديداً مستمراً للشعوب والدول، إذ الإرهاب هو دوغما متطرفة، والدوغما هو الاعتقاد المطلق في صحة الرأي، والاعتقاد المطلق في عدم صحة الرأي الآخر. وينبني على ذلك الاعتقاد، استنادٌ متطرفٌ لامتلاك الحقيقة، يجيز القتل والتفجيرات والذبح وخلافه من الأعمال الذميمة، التي يستنكفها الإنسان المتحضر ذو الضمير المستنير.
    عانت كل الدول العربية -على وجه الخصوص- من العنف الإرهابي، الذي أقعد بتقدمها السياسي والاقتصادي والعلمي، في الجزائر ومصر والمغرب وتونس، والكويت والعراق وسوريا...الخ. فالتيارات الإرهابية لا تعترف بالحدود السياسية للدولة، وبالتالي لا تعترف بشيء يسمى الوطن. ولذلك يعتمدون الكنايات التي تعبر عن الجهات المختلفة التي يقدم منها الإرهابي، كالبغدادي، والمصري، والشامي...الخ للتأكيد على أن منهجهم الإجرامي لا تحده حدود، بل هو منهج عالمي يتمدد في العالم بأسره.
وعانت المملكة كذلك من الإرهاب بقوة في الثلاثين سنة الماضية، فقتل فيها من قتل بتفجير المصالح الحكومية من امنية وتنموية وامتدت يد الغدر الى المساجد وافراح الزفاف بل وحتى مجالس العزاء في الموتى، واستهلكت المملكة طاقة كبرى في السعي لتجفيف منابع الإرهاب عبر تجفيف منابع الفكر الإرهابي، ونادت علماءها الإجلاء فتنادوا على كلمة سواء وهو الاعتدال والوسطية التي هي أصل من أصول الإسلام الذي جعل المسلمين امة وسطا، وجعل خير أمورها أوسطها، فلا إفراط ولا تفريط. وكان هذا هو التأمين الفكري الذي سعت إليه الدولة بشتى السبل، في وسائل الإعلام المختلفة الرسمية وغير الرسمية. غير أن التناصح والوعظ باجتماع الأمة التي لا تجتمع على باطل، لا يكفي بذاته، فهناك من الأشقياء الذين مردوا على شق عصا الجماعة، لا يرعون إلا ولا ذمة. ولا يرغبون في استقرار أمر الشعوب المسلمة، وهؤلاء المجرمون لا يردعهم التناصح بل لابد من مواجهتهم بسلطان القانون، والذي من خصائصه الإكراه على اتباع طريق الحق بالعقوبة الرادعة. ردعاً خاصاً، أذ يؤوب المجرم إلى صوابه، وردعاً عاماً، إذ يمنع أمثاله من اتباع طريقه الإجرامي. وقد صدرت قوانين (أنظمة) تحارب التطرف، وكان منها هذا الأمر الملكي الكريم، وهو أمر (تقريري) وليس إنشائي، وهذه تفرقة مهمة يجب أن نشير إليها منذ البداية، إذ أنه، أقر ما ذهبت إليه لجنة خاصة بهذا الشأن فأصبغ على رأي اللجنة سلطان القانون. وقد اوردت وزارة الداخلية في بيانها ذلك الإقرار أو الموافقة في بيانها الذي انتشر انتشاراً واسع النطاق في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، ووسائل التواصل الاجتماعي.
كانت مقترحات اللجنة تحديد ما يعد تيارات ذات صبغة إرهابية، والأفعال الفردية التي تعزز وتعمل على تعضيد الفكر الإرهابي، ومن ضمنها:
(كل من يقوم بتأييد التنظيمات، أو الجماعات، أو التيارات، أو التجمعات، أو الأحزاب، أو إظهار الانتماء لها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل المملكة أو خارجها، ويشمل ذلك، المشاركة في جميع وسائل الإعلام المسموعة أو المقروءة، أو المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، المسموعة أو المقروءة أو المرئية، ومواقع الانترنت، أو تداول مضامينها بأي صورة كانت، أو استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات أو أي رموز تدل على تأييدها أو التعاطف معها. وأن من يخالف ذلك بأي شكل من الأشكال منذ هذا التاريخ ستتم محاسبته على كافة تجاوزاته السابقة واللاحقة لهذا البيان).
إذاً، يمكننا أن نتلمس -في هذه المقالة العاجلة- عناصر توفر هذه الجريمة؛ أي جريمة التأييد والتعاطف. ببيان أركانها، وحدودها، وفلسفتها، ثم ننتقل إلى شقٍ إجرائي هو التطبيق من حيث الزمان.
أولا: أركان هذه الجريمة: هما الركن المادي، والركن المعنوي، والملاحظ في هذا الصدد، أن محل التجريم بذاته معنوي في الأصل؛ أي يدخل في نوايا المرء إذا صدرت عنه أفعال تكشف عن تلك النوايا، فالركنان متعاضدان، إذ أن الركن المادي، هو التأييد والتعاطف، والركن المعنوي وهو القصد الجنائي، هو قصد التأييد والتعاطف. وإذا كان التأييد والتعاطف معنويان، فلا يعني ذلك أنهما اندمجا اندماجاً كلياً بالركن المعنوي، فمازالا يتميزان عنه. فالقصد الجنائي هو أن تتجه إرادة الجاني الحرة عن علم إلى اقتراف الفعل المجرم كما حدده القانون. غير أن الفعل هنا هو بذاته التأييد والتعاطف، وأما وسيلة ذلك الفعل فهو عمل مادي، كالكتابة أو القول او المشاركة في أفعال ما، كالمؤتمرات مثلا تحت ظل تلك الجماعات. فالفعل هنا (التأييد والتعاطف) تكشف عنه الوسيلة. وبالتالي ليس صحيحاً أن هناك قصداً خاصاً في هذه الجريمة، لأنها من جرائم الخطر لا الضرر، إذ لا يشترط أن يقع ضررٌ ما على الدولة من ذلك التأييد او التعاطف. والخطر هنا خطر كامن، إذ يشي التأييد والتعاطف، بالوقوف مستقبلاً مع تلك الجماعات الإرهابية بالسلاح والمال والنفس. وأن هناك قابلية لاقتراف الجرائم الإرهابية، أو دعمها. كما أن هذا التأييد أو التعاطف، يعزز من إرادة تلك الجماعات في المضي قدماً في مشروعاتها الإجرامية الخطيرة، التي لا تعتق طفلا ولا بالغاً، لا رجلاً ولا امرأة، بل ولا حتى مساجد الله.
ولكن ما هي حدود التأييد والتعاطف؟
لقد جاءت المادة مطلقة إذ لم تقيد التأييد والتعاطف بصورة أو عدة صور على سبيل الحصر، بل على العكس، فالصور المعددة فيها هي صور على سبيل المثال. إذ يجوز أن يكون التأييد والتعاطف بغيرها. كما يجب أن يكون الفعل الدال على التأييد والتعاطف جازماً عليهما، فمثلاً، إذا كان هناك نقاش قانوني أو علمي، حول تنظيم الإخوان أو القاعدة أو داعش ألخ، من باب المنهجية العلمية، فلا يعد ذلك تأييداً أو تعاطفاً، وإذا كان رفع شعار لهما على سبيل السخرية من هذه التنظيمات، فلا مجال لوقوع التجريم والعقاب. وهذه مسألة موضوعية تخضع لرقابة محكمة الموضوع، يقدرها القاضي من خلال ما بُسط أمامه من ملابسات في محضر التحقيق الابتدائي أو مضبطة الجلسة القضائية نفسها.
فالقانون-في الأصل- لا يجرم على النوايا، ولكن متى ما تجسدت تلك النوايا بالفعل أو القول، جاز تجريمها، حتى ولو لم تقع جريمة ما، وهنا يمكننا تكييف ذلك التجريم، بأنه تجريم لأعمال تحضيرية. وهذا أمر جائز قانوناً، ولم يخلُ منه قانون عقابي.
ولكن ماذا عن حرية التعبير؛ الا يعد تجريم مجرد التأييد والتعاطف انتهاكا لحرية التعبير؟
لقد لخصت المحكمة الفدرالية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية إجابة ذلك، وهو بأن لا يكون الفكر المؤيد أو المتعاطف معه يدعوا إلى العنف وانتهاك السلام الاجتماعي. وهذا مبدأ راسخ عند فقهاء القانون. إذ أن حرية التعبير، إن اتجهت إلى العنف، فهي بذاتها تنتهك حريات الآخرين. ومن المعروف أن العقد الاجتماعي الذي ينشأ بين الدولة والشعب، هو تنازل الجميع (حكاماً ومحكومين) عن قدر يسير من حرياتهم للاستمتاع بالقدر الواسع من الحرية. وعلى ذلك فنحن نرتضي بقانون يمنعنا من الاسراع بالسيارة بسرعة فائقة ليس فقط حماية للآخرين، بل أيضا حماية لنا. فنحن نمتلك حرية قيادة السيارة، ولكنها ليست حرية مطلقة. بل حرية مقيدة لحماية تمتعنا بتلك الحرية.
الجانب الشكلي أو الإجرائي، وهو المتعلق بالمسؤولية عن الأعمال السابقة على القاعدة التجريمية. والواقع أن هناك عدة محاور يجب مناقشتها في هذه النقطة اولها مبدأ المشروعية The principle of legality؛ ومضمونه ألا جريمة ولا عقوبة إلا بنص نافذ قبل ارتكاب الفعل الإجرامي، فيجب أن يقع الفعل بعد النص لا قبله، والقرار الصادر هنا يجيز تطبيق نفسه بأثر رجعي على أفعال وقعت قبله، فهل هذا مخالف لمبدأ المشروعية؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف أن مبدأ المشروعية قد تفرعت عنه مفاهيم قانونية، تحدد نطاق تطبيق النص من حيث الزمان، وأولها هو أن الأصل أن القانون يسري بأثر مباشر، ويترتب على ذلك أنه لا يجوز تطبيق القانون بأثر رجعي، ورغم ذلك فهناك استثناءات أجمع عليها الفقه بعضها شكلي وبعضها موضوعي، أما الموضوعي فهو تطبيق القانون بأثر رجعي إذا كان محققا لمصلحة المتهم، فإذا اقترف شخص جريمة الإحتيال وكانت عقوبتها عشر سنوات، وأثناء المحاكمة وقبل الحكم النهائي صدر قانون جديد يجعل العقوبة سبع سنوات، كان على القاضي تطبيق القانون الجديد على المتهم رغم أن الجريمة وقعت في ظل نفاذ القانون القديم. كذلك إذا صدر القانون وأباح الفعل، أو أضاف او عدل من عناصر الجريمة بحيث يستفيد من ذلك المتهم، وجب تطبيق القانون الجديد على المتهم. ويترتب على هذا؛ العكس؛ إذ لا يجوز تطبيق قانون جديد على فعل وقع في ظل قانون قديم إذا كان القانون الجديد يضيف أعباءً على المتهم، كزيادة العقوبة أو انتقاصاً من حقه في الإفراج الشرطي،...الخ. غير أن هذا أيضاً ليس مطلقاً فهناك غالبية من فقهاء القانون ترى عدم تطبيق القانون الجديد حتى لو كان هو الأصلح للمتهم، إذا كان القانون القديم قد صدر كقانون استثنائي، مثل القوانين التي تواجه حالة طوارئ مثل الإرهاب أو الزلازل أو الجائحات المرضية..الخ.
بالإضافة إلى ما سبق تجيز بعض القوانين تطبيق القانون بأثر رجعي في بعض المسائل المالية كالتهرب الضريبي والجمركي.
إذاً؛ فمبدأ المشروعية هو مبدأ راسخ لكنه ليس مطلقاً كل الإطلاق إنما يجب أن يؤخذ بالقدر اللازم لتحقيق العدالة المُثلى.
فلنأخذ إذاً بالتقييم؛ النص الذي يجيز توقيع العقاب على الأعمال السابقة على القانون كما ورد في بيان وزارة الداخلية، فهل هذا جائز؟ وهل هو استثناء من مبدأ المشروعية أم مخالف لمبدأ المشروعية.
الحقيقة أننا يجب أن نميز بين عدة أنواع من الجرائم. فهناك الجريمة الوقتية، أي تلك التي تتم فور الانتهاء من ركنها المادي، مثل القتل، فبمجرد إطلاق الرصاص (السلوك)، ووفاة المجني عليه (النتيجة)، وتأكد أن الوفاة حدثت بسبب إطلاق الرصاص (علاقة السببية بين السلوك والنتيجة). تكون الجريمة قد تمت.
ولكن هناك أنواع أخرى من الجرائم، منها الجريمة المستمرة، مثل حيازة سلاح بدون ترخيص. فالشخص الذي يضع في جيبه سلاحاً غير مرخص في الطائف، ويسافر به حتى الرياض، يظل مقترفاً لجريمة حمل سلاح بدون ترخيص. وتكون الجريمة متجددة باستمرار طوال تلك المسافة. وهذا النوع لا يهمنا هنا كثيراً، فمثلا لو غرد شخص في تويتر داعماً تنظيم داعش. فهنا الجريمة ليست من الجرائم المستمرة، بل من الجرائم الوقتية، التي اكتمل فيها الركن المادي بسلوكه ونتيجته وعلاقة السببية. لكنها تكون نوعاً ثانياً من الجريمة الوقتية، وهو ما يسمى بالجريمة الوقتية ذات الأثر المستمر. وتعامل معاملة الجريمة الوقتية.
فإذا أبدى (س) من الناس تعاطفه مع تنظيم جماعة الاخوان المسلمين عبر تغريدة، وكان ذلك قبل صدور القانون الذي يجرم هذا التعاطف، فإن ذلك الفعل يخضع في الأصل للقانون الذي صدر في ظله، ولا يمكن تطبيق القانون الجديد عليه بأثر رجعي. وذلك لأن الفعل قد تم وانقضى قبل القانون الجديد، كما أن القانون الجديد لا يصب في مصلحة ذلك الشخص وبالتالي لا يتوفر فيه الاستثناء من مبدأ المشروعية.
أيضاً لا يمكننا اعتبار القانون هنا قانوناً استثنائياً، فمن شروط القوانين الاستثنائية أنها محددة بمدة مؤقتة. أما القانون المجرم للتعاطف والتأييد فهو قانون عادي كباقي القوانين. ولذا لا يمكن تطبيقه بأثر رجعي على الأفعال التي وقعت قبل صدوره.
ومع ذلك؛ هل يمكننا أن نعتبر الفعل الواقع قبل صدور القانون الجديد، داخلا فيما يسمى بجرائم الاعتياد؟
جرائم الاعتياد، هي التي لا يعاقب عليها القانون إن وقعت مرة واحدة، وذلك لعدة مبررات، بعضها يتعلق بانتفاء الخطورة الإجرامية نسبة لأن الفعل وقع كحالة عارضة، مثل ما يذهب إليه القانون المصري وقوانين عربية أخرى من عدم تجريم الإقراض بربا فاحش إذا تم ذلك مرة واحدة، أما إذا وقع أكثر من مرة، نهضت المسؤولية الجنائية في مواجهة المتهم، إذ يكشف ذلك عن احترافه للإقراض الربوي. فهل يمكننا هنا أن نعتبر التعاطف السابق على صدور القانون من قبيل جرائم الإعتياد؟ في الواقع يصعب ذلك كثيراً، إذ حتى جرائم الاعتياد تتطلب أن يكون الفعل الأول (غير المعاقب عليه إذا لم يتكرر) واقعا تحت طائلة نص عقابي حدث الفعل في ظله. أما إن وقع الفعل وكان مباحاً، ثم جاء نص قانوني جرمه، فلا يعتد به في حساب الاعتياد.
ولكن السؤال ينعطف نحو طبيعة المساءلة الجنائية قبل صدور القانون؛ فهل يمكن اعتبار الاعتداد بالوقائع السابقة من قبيل الظروف المشددة لا كجرائم مستقلة؟ هذا ما لم يبينه النص ولم يشر له، كما أننا لم نقف على أصل الأمر، بل شاع عبر الوسائل الإعلامية، من خلال بيان وزارة الداخلية. وأتمنى أن أجد مدداً بالنص الكامل من القرار، حتى لا نكون ممن يتحدثون عن النص دون فهم كل مبناه الوارد فيه على نحو دقيق. فلقد ذكرنا أن هذا الأمر، إن هو أمر تقريري وليس إنشائي، أي أنه أقر بمخرجات اللجنة التي أوكل إليها أمر الفحص والتشريع. لذا يبدو أنه لا يوجد نص مستقل بذاته عما ورد ببيان وزارة الداخلية، ولذلك سيصعب علينا الوقوف على السياسة الجنائية التي أتبعت فيما يتعلق بالمساءلة عن الأفعال السابقة على نفاذ القانون.
هذا، وندعو الله أن يحفظ ولاة امرنا، وأن يوفقهم ويؤيدهم لما فيه صلاح هذه الأمة.

الأحد، 17 مايو 2020

"قانوني": هذه إشكاليات وملاحظات على مشروع مكافحة التحرش وهذا ما تحتاج إليه المدارس


دعا أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف الدكتور فهد بن نايف الطريسي إلى سن قوانين مساندة أخرى لنظام مكافحة التحرش فيما يتعلق بالمدارس وكل الدور التي يمكن أن يجتمع فيها بالغون بقصر أو مصابين بعاهة مستديمة كإلزام إدارات هذه الأماكن بتركيب كاميرات مراقبة تستمر لأربع وعشرين ساعة في اليوم وكتحديد مسافة أمان زمنية ومكانية بين البالغين والقصر وهكذا.
وقال الدكتور الطريسي : جاء القانون قويًا جدًا في مواده وهو بداية جيدة للتوسع في التنظيم القانوني لحماية خصوصية الأفراد في جسدهم من المتطفلين وأصحاب القلوب المريضة.
ولفت الطريسي في تصريح لـ"سبق" إلى أن ازدياد معدلات التحرش الجنسي لم تقتصر على المملكة فقط بل طالت أغلب دول العالم، والحقيقة أن المعالجة القانونية لهذه الجريمة تواجهها صعوبات كثيرة جدًا، مما يجعل من النص القانوني المجرم سلاحًا ذا حدين.
وأشار إلى أن عمليات التحرش بمختلف أنواعها تتمتع بخصائص مشتركة ؛ من أهمها أنها تتم بشكل خفي في أغلب الأحيان. مثل القيام بلمس جسد امرأة أو طفل في الزحام بغرض استكشاف مدى تجاوبه واستجابته لهذه الدعوة الجنسية.
وأضاف أنه غالبًا ما لا يشعر بالجريمة سوى المجني عليه. وغالبًا ما لا يملك المجني عليه دليل إثبات على عملية التحرش، خصوصًا عندما يقع التحرش داخل المنزل بين أفراد الأسرة، أو في المدارس ورياض الأطفال وخلافه.
لذلك فإن أغلب الدول وضعت قوانين مساندة كقوانين الرقابة المدرسية والجامعية.. وهي مثلاً تفرض على الأساتذة وضع مسافة معينة مكانية وزمنية بينهم وبين التلميذ. فلا يجوز مثلاً انفراد الأستاذ بالتلميذ في مكتبه لمدة تتجاوز دقيقة أو دقيقتين على الأكثر.
وتابع الطريسي يقول: كما لا يجوز الاحتكاك الجسدي الطويل بين الطرفين. على الرغم من هذه التدابير فإن أغلب دعاوى التحرش لا تفضي إلى إدانة المتهم، لأن المجني عليه -في أغلب الأحوال- لن يملك دليلاً ماديًا مباشرًا على التحرش خصوصًا إذا كان التحرش لفظيًا.
وحول مشروع نظام مكافحة التحرش أوضح الدكتور فهد بن نايف الطريسي، أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف أن النظام وضع ليجرم التحرش ويحمي الأفراد نساءً أو اطفالاً أو حتى رجالاً.
ولفت إلى أن هناك إشكاليات في مشروع هذا النظام؛ فمن حيث الصياغة مثلاً سنجد في المادة الأولى أنها وضعت جملة ؛ (لغرض تطبيق هذا النظام) كجملة اعتراضية وكان الأوفق أن تبدأ المادة الأولى بهذه الجملة ثم تواصل (يقصد بجريمة التحرش).. وهكذا تكون الصياغة أكثر اتساقًا.
ومضى الطريسي : لم تتعرض المادة - وهي بصدد تعريفها للجريمة إلى الاستثناء المتعلق برابطة الزوجية- وهذا من باب بداهة الأمر، لكن فلنلاحظ أن هناك اتجاهًا عالميًا لتجريم العدوان الجنسي الذي قد يقع من الزوج على زوجته عبر إكراهها على الجنس؛ هذا الأمر قد يجد طريقه إلى المحاكم السعودية بعد قليل وسيواجه القضاء بمادة واسعة لا تتضمن هذا الاستثناء.
وهذا قد يخالف ثقافتنا المجتمعية. لذلك يجب أن يتم وضع استثناء العلاقة الزوجية بوضوح. وكمال الشيء أفضل من نقصه.أو كما قال الشاعر : ولم أر في عيوب الناس عيبًا ...كعيب القادرين على التمام..
وأبان أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف بقوله: يلاحظ أن المادة الثالثة من المشروع قد جعلت من جريمة التحرش جريمة يختلط فيها الحق الخاص بالحق العام، وكنا نفضل أن تقتصر هذه الجريمة على الحق الخاص بما يجعل التنازل عنها مانعًا للنيابة من تحريك الدعوى؛ وذلك لأن المجني عليه قد يضع اعتبارات أسرية وعائلية ومتعلقة بالسمعة الشخصية فوق اعتبار العقاب القانوني للجاني.
ومضى الدكتور الطريسي بقوله : يلاحظ أيضًا أن مشروع النظام لم يتعرض للعلاقة الجنسية السابقة بين الجاني والمجني عليه.
واختتم الطريسي بقوله: يمكننا أيضًا أن نشير إلى أن جريمة التحرش ليس فيها شروع، ففعل التحرش أساسًا هو شروع في عمل جنسي عبر جس نبض المجني عليه أو التلذذ به استغلالاً لغفلته... ولذلك فلا يتصور أن يكون هناك شروع في الشروع ؛ وعليه نعتقد أن حذف الفقرة الثانية من المادة السابعة أمر يتسق وطبيعة هذه الجريمة.


العدوان الثلاثي الإعلامي الجديد.. قضية خاشقجي نموذجاً

(1) مدخل:
هناك ثلاثة رؤوس للمثلث؛ رأس يموّل، رأس يتبنى وينفذ، ورأس يوفر المعطيات الأولية.
(2) صناعة الأزمة: (التخطيط الاستراتيجي للتفجير):
تعمل أجهزة مخابرات دول العالم بأكفأ أدوات التخطيط والتنظيم والتنسيق، فهي مؤسسات علمية وليست فوضوية، فلنأخذ مثالاً على ذلك الموساد؛ والذي نفذ مئات عمليات الاغتيال سواء تلك التي أعلن عنها أو لم يعلنها: فخلال فترة السبعينيات فقط، نفذ الموساد حوالي (22) عملية اغتيال ناجحة بدأت بالأديب والصحافي العالمي غسان كنفاني، وانتهت باغتيال حسن سلامة القيادي بحركة التحرير الفلسطينية، ثم توالت عمليات اغتيال الموساد في العقود التالية لتتجاوز المائتي عملية اغتيال كان آخرها اغتيال القائد القسامي أحمد الجعبري، ويمكن إيجاد قائمة طويلة بأسماء المغتالين بعمليات الموساد الناجحة، يمكننا أيضاً أن نضيف عمليات اغتيالات تمت في قطر وكذلك في بريطانيا، أبرزها عملية اغتيال (نظيفة) للأميرة ديانا.
فأجهزة المخابرات لا تعمل بشكل فوضوي وغير مدروس سواء من ناحية العواقب السياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الأمنية. لذلك كان من أهم ما لفت انتباهي أن قطر التي أنفقت ما يقارب المليار ومائتي مليون دولار على حملة تجريم المملكة باغتيال خاشقجي، وذلك بدفع مبالغ مليونية لأجهزة إعلامية غربية، بل والتعاقد مع مراكز إعلامية غربية على تدويل الشائعات، وربما حتى رشوة بعض سياسيي الغرب لأخذ تصريح صغير لا يتجاوز سبع كلمات بملايين الدولارات، ثم تحويل تلك الكلمات السبع لمقالات وصور وبوسترات وإعلانات يتم بثها عبر الوسائط الإعلامية الرقمية والتقليدية.. رغم كل ذلك كانت هناك مشكلة صغيرة جداً؛ صغير ولكنها مفصلية. وهي أن المسرحية القطرية التي حاولت تركيا تطعيمها بتصريحات متضاربة وفاقدة للمنطق؛ هذه الأقصوصة كانت تفتقر لأهم ما يميز أي عملية اغتيالات تقوم بها دولة تجاه أحد عملاء أعدائها: وهي أنها بدت مسرحية شديدة العشوائية بل وتضع كل من يسمعها أمام تساؤل مباشر:

- هل يمكن لأجهزة مخابرات دولة أن تغتال الهدف داخل سفارتها؟
هل كان الهدف مختبئاً عن أعين أجهزة مخابرات دولته؟ هل كان بالإمكان الوصول للهدف في أي وقت أو مكان آخر؟ هل كان بالإمكان ترتيب عملية اغتيال (نظيفة) كعملية اغتيال الأميرة ديانا؟ هل كان بالإمكان لأجهزة المخابرات أن تجند مؤسسات متخصصة للقيام بعملية الاغتيال بحيث تبعد أي شبهة عنها؟ هل كان بالإمكان التخطيط لعملية اغتيال أكثر تنسيقا وكفاءة من تلك المسرحية القطرية التركية الباهتة؟ هل الهدف نفسه من الخطورة بمكان ليتم اغتياله؟ هل الاغتيال عاجل لمخاطر محدقة بالدولة من قبل الهدف؟
هذه أسئلة شديدة المنطقية، عندما نتحدث عن تعامل أجهزة استخبارات دولة تجاه هدف محدد؟ فالاغتيال ليس شيئاً مستنكراً في العمل الاستخباراتي باعتباره دفاعاً عن مصلحة جوهرية للدولة؟ وكما رأينا فإسرائيل مثلاً مارست الاغتيال النظيف والأسود (سرًّا وجهرًا)، وكذلك تركيا نفسها، بل والمخابرات الأمريكية CIA والسافاك والكي جي بي ..الخ.
إذن فالتحليل المنطقي لاختفاء خاشقجي ومبادرة قطر بالحديث عن اغتياله يجعل الأكثر قرباً إلى الواقع أن لقطر دوراً بارزاً في اختفاء خاشقجي، وليس من المستبعد أن تكون قطر قد أعدت لهذه العملية من ناحية الحرب النفسية الإعلامية قبل تنفيذ هذه العملية سواء بشكل مباشر أو بوساطة أجهزة استخبارات لها تاريخ طويل وخبرات متراكمة في هذا الشأن.
قطر تنفق بسخاء والغرب بمؤسساته المختلفة يتنازل عن كل مبادئه المعلنة والتي يستخدمها كسلاح للإمبريالية الجديدة (إمبريالية ما بعد الحرب العالمية الثانية)، والتي ترتكز على المال لتحقيق أهدافها القذر لذلك نجد أن كثيراً من صحافيي الصحف الورقية المفلسة يتخلى عن مفاهيم الحرية والديموقراطية وكل هذه المصطلحات الرنانة. وإذا كان الغرب حريصاً على استقرار وحرية الشرق، لماذا صمت عن محاولة قطر وليبيا (القذافي) اغتيال الملك عبدالله -رحمه الله-.
استطاعت قطر شراء كأس العالم بعد أن أنفقت مليارات الدولارات من أجل الصيت فقط، واتهمت بعد ذلك بتقديم الرشى الميليارية لممثلي الدول الغربية وإدارة الفيفا وجرت محاكمات عدة ولكن الغرب لم يستطع إكمال احتجاجاته الناتجة عن شعوره بالخزي.
نعم لقد كانت الخطة القطرية التركية الغربية هي إيقاع المملكة في المصيدة، لكن الأمر انقلب ضد الحلف الثلاثي؛ حلف قطر التي تنفذ سياساتها التدميرية ضد الثقافة العربية والإسلامية في كل الدول العربية، وتركيا التي حصلت من قطر على وعود في الهواء بمليارات الدولارات. والمراكز الإعلامية الغربية ذات الخبرة والتي تخدم من يدفع.
لا أنكر أن الهجمة كانت سريعة وربما مفاجئة وعلى حين غرة، لكن هذه السرعة التي أعتقد أن سببها هو عدم انكشاف الخطة، أدت لنتائج عكسية، فمسرحية الإعلام القطري والتركي تحولت إلى مسرحية هزلية سيئة التأليف والإنتاج والإخراج والتمثيل بل وحتى السيناريو.
كانت قطر أول من أعلن عن اختفاء خاشقجي، وهذه نقطة يجب الوقوف عندها، بعد ذلك تم الاستعانة بامرأة ادعت أنها خطيبة خاشقجي، وخاشقجي رجل يدلف إلى خريفه الستين، والمرأة لم تثبت وجود رابط قانوني موثق بينهما فاكتفت بصفة الخطيبة، كان إعلام الجزيرة ينقل أقاصيص بلسان المرأة ويسربها لوكالة الأناضول، ولكن ما حدث أن الأقاصيص تضاربت بشدة، والمرأة صرحت في الجزيرة بأنها كانت خارج السفارة السعودية وصرحت للأناضول بأنها لم تذهب للسفارة من الأصل. ويبدو أن دور المرأة الشبح هذه بات مقلقاً لقطر وتركيا الإخوانيين، فخلال الأسابيع الماضية صمتت المرأة، وبدأت حرب الشائعات، ثم تصريحات خجولة من سياسيين أمريكيين ترغي وتزبد وتتوعد في سبع كلمات مدفوعة الأجر مسبقاً وكان هذا كافياً للمراكز الإعلامية لتصنع من السبع كلمات معلقات شعرية يتم بثها عبر الوسائل الإعلامية الأخرى في شكل نكات أو صور مدبلجة أو مانشتات عناوين إخبارية، خاشقجي الذي لم يكن يعرفه إلا قلة من المهتمين بالشأن الصحفي تحول بين عشية وضحاها من ضحية إلى سياسي ومحلل استراتيجي لا يشق له غبار، ثم بلغ شأو المجد فصار أخطر رجل إعلام في العالم، وصار يقف كتفاً بكتف مع الملوك والأمراء حتى أنهم قرروا التخلص منه منعاً للمنافسة. ثم تحول خاشقجي إلى المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا بطلاً لليبرالية والديموقراطية والقلم الحر، ثم بلغ أن أصبح شهيداً وغير مستبعد أن يرسمه الإعلام القطري أو الإعلام القطري بالوكالة قديساً تقام على كراماته الصلوات.
(3) كيف تتعامل المملكة مع الحقائق على أرض الواقع:
أولاً أود أن أشير إلى أنني وقبل قضية خاشقجي هذا شرعت في الإعداد لبحث مهم جداً عن الحرب النفسية، لقد كتب العديدون عما يسمى بالحرب النفسية والتي تستخدم الإعلام والبروباجندا والشائعات في تدمير الروح المعنوية للعدو. لكنني لم أخطط لتناول الحرب النفسية من وجهتها السلبية وإنما من كونها علماً له أصول، وهذا أمر شديد الأهمية ويجب الانتباه له. فالمملكة لا يجب أبداً أن تكون في حالة رد الفعل بقدر ما يجب أن تمارس هي نفسها فعلاً استباقياً؛ أي أن المملكة يجب أن تمارس الحرب النفسية الوقائية قبل الحرب النفسية المضادة.
هذا مهم جداً؛ ومن الأهمية بمكان أن نفهم التغيرات التي انتظمت القيم العالمية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط جدار برلين وتسنم الولايات المتحدة الأمريكية لقمة السيادة على النظام العالمي الجديد، والأهم من هذا كله أن ندرك أن هناك تغيرات راديكتاية على مستوى إدارة الأمن والأمن الوقائي والأمن المضاد، من حيث أدواته الحديثة خاصة في مجال الإعلام الرقمي والفضائي.
لقد نوهنا قبل سنوات إلى هذه النقطة في أحد مقالاتنا، وأكدنا ضرورة أن تشرع المملكة في تطوير وتحديث كفاءة المنظومة الأمنية الإعلامية، لتتلاحم مع المنظومة الأمنية الكلاسيكية، بحيث تعمل بكفاءتها القصوى على إحاطة المملكة بسياج حمائي ووقائي ودفاعي إعلامي قوي وذي بأس.
فالعالم اليوم ليس هو العالم نفسه قبل سنة فقط وليس بالتأكيد العالم نفسه قبل خمس سنوات.. العالم اليوم يحتاج إلى أدوات اليوم، بل يحتاج إلى أدوات الغد، بل يحتاج إلى أدوات ما بعد عقود من اليوم.
وآخر قولنا هو دعوة الجميع ليتلاحموا ويؤازروا قيادتنا، فهذه اللُحمة هي نقطة اتزان الميزان الذي يستقر بها السلام الاجتماعي وتقوى بها الدولة والأم.

اليوم الوطني . . وتأملات في القانون

ا
لى الراية الخضراء تهفو قلوبنا

لنا معمعانٌ حولها وتدافعُ

نلتقي باليوم الوطني والدولة تعمل باضطراد على توسيع نطاق المؤسسية عبر سن الأنظمة. وخلال السنة الماضية فقط شاهدنا عشرات الأنظمة التي تنقلنا من النظرة الكلاسيكية (أي الشخصية)، إلى فكرة المراكز القانونية.

ماذا نعني بدولة المؤسسات؟

إن أي علاقة مضطردة بين شيئين أو عدة أشياء هي علاقة منظوميه. ومن هنا ينطلق الفقه الحديث نحو التأكيد على ضرورة ترسيخ هذه المنظومة أولا: عبر آلية القانون. وثانيا عبر آلية الإدارة.

يمثل القانون الضابط الأعلى للتفاعلات الداخلية للمنظومة أي التفاعل بين وحداتها. ثم الضابط لتفاعلاتها الخارجية أي مع باقي المؤسسات لتعظيم الانتاجية القصوى للمشروع (دولة وسلطات، سلطات وسلطات، سلطات وشعب ثم أخير الدولة والمجتمع الدولي).. وخلاصة النتيجة يجب أن تصب في المصلحة العامة.

وتعتبر أنظمة التجارة والاقتصاد من أقوى الأنظمة في محيطنا الإقليمي، خاصة وأن التجارة هي عصب الحياة الإنسانية والتي كلما ازدهرت معها المعارف والعلوم والفنون ومن ثم ارتفع سقف الوعي الإنسانية.

وفي ظل رؤية 2030 والاتجاه لتنفيذ خارطتها؛ سنرى أيضا كيف أن هناك قضايا قديمة تتعلق بالحريات قد وضعت خلف التاريخ.

دعونا فقط نقارن وضع التحرش الذي كانت تتعرض له المرأة قبل قانون مكافحة جريمة التحرش، وحالها اليوم وهي تتنقل آمنة مطمئنة والدولة تحيطها بالحماية اللازمة. هذا تقدم سريع ومهول جدا كان حلم تحقق في لمح البصر. دعونا نلقي نظرة فقط على فقرة (داخل) مادة لنتبين كيف أن هذا القانون قفز قفزات واسعة نحو تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي للمرأة. فقد نصت المادة الرابعة في فقرتها الثانية على أنه لا يجوز الإفصاح عن هوية المجني عليه، إلا في الحالات التي تستلزمها إجراءات الاستدلال أو التحقيق أو المحاكمة.

وهذه حماية تكشف عن التوجه نحو المبادئ الحديثة للعدالة الجنائية والتي تهتم بالضحية مثلما تهتم بالتجريم والعقاب. أصبح بإمكان المجني عليه التوجه والتبليغ عن الجريمة وهو يعلم أنه لن يتعرض لتشويه السمعة عبر الدعوى الجنائية والتي كانت تحول بينه وبين المطالبة بمعاقبة الجناة مما يفضي ليس فقط إلى إفلات متهم من العقاب بل فوق هذا وضع أبرياء جدد تحت تهديد المجرم.

 يعتبر هذا القانون من المكتسبات التي يجب أن نعترف بأنها تحقق لأسرنا (نساء وأطفال ومعاقين وعجزة) الأمن الذي يطلبه كل زوج وأب وأم. وانطلقت القوة التنظيمية المواكبة للتحولات الانسانية الكبرى في مجال حقوق الإنسان وخاصة إخراج المرأة من عباءة التبعية والاتكالية على الرجل لتنخرط كأداة فاعلة في المجتمع أستاذة في المدرسة طبيبة، صحفية، عالمة، وربة منزل. ربما علينا أن ننوه المرأة الى أن الحرية عبء كبير على الإنسان ذكرا كان أم أنثى، وأن عليها أن تستعد لمرحلة قادمة صعبة تحافظ فيها على مكتسباتها الراهنة عبر العمل الجاد والدؤوب للمشاركة العامة. إن كينونة المرأة أصبحت مصونة اليوم بفضل الأنظمة الحديثة التي أقرت لها حق التنقل، المحمي بنظام الحكم الأساسي والذي يعني وفقا للقانون المقارن الدستور الذي يصبغ حمايته على كافة حقوق الأفراد. لم يتوقف التطور القانوني على مسائل التجارة والصناعة وعالم المال والأعمال، بل ولا حقوق الانسان بل نحن فوق هذا ننتظر سن قانون مكافحة التمييز وبث الكراهية والذي سيؤدي إلى إفشاء السلم الاجتماعي ودحر كل محاولات الاعداء في استغلال أقل الثغرات للنفاذ عبرها لتهديد الأمن الوطني.

إننا نتجه نحو تعزيز مؤسسية الدولة؛ والأمل معقود على قيادتنا الحكيمة لتمضي بنا على ذات النسق قدما.

نبارك للشعب يومنا الوطني وندعو لولاة الأمر بالتوفيق والسداد.

والحمد لله من قبل ومن بعد.

د. فهد بن نايف الطريسي

أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2019

يومنا الوطني .. وسهم التحول الوطني


يومنا الوطني .. وسهم التحول الوطني


د. فهد بن نايف الطريسي
أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف


العالم يتجه نحو الانفتاح والتواصل، فالفعل التواصلي في الأصل قيمة إنسانية أقرتها الأديان ومنها الإسلام (لتعارفوا). والمملكة ترسل سهم تحولها متجاوزة الفكر الكلاسيكي المنطوي على ذاته والمنكفئ على مفاهيم تجاوزها الزمان. اليوم ينظر العالم نحو المملكة بدهشة تعقد ألسنة الأصدقاء قبل الحاسدين، وكل يوم لها شأن في الدفع بالإنسان السعودي نحو الأمام اعتدادا بتواضع، ورفعة بغير بغي ولا عدوان، حتى أصابت الكلالة والوهن من حاول تتبع خطى المملكة نقدا وسعيا بين أهلها بالفتنة. ثم ضل سعيه وخاب وجعل الله كيده في نحره. أعز الله مليكنا وولي عهده.
الناس حساد المكان العالي
يرمونه بدسائس الاعمال
وانت ياوطني العظيم منارة
في راحتيك حضارة الأجيال
ياقبلة التاريخ يابلد الهدى
أقسمت أنك مضرب الأمثال
الفرح والتعبير عنه في اليوم الوطني كان مدهش بروعة المشهد، حيث يحتفي الشعب كله بيومنا هذا؛ توزع الأعلام الخضراء التي تسر الناظرين، والحلوى المغلفة باللون الأخضر والابتسامات البيضاء كضمير هذا الشعب العظيم والعظمة لله من قبل ومن بعد ، ثم تمددت الدهشة حاسرة عن ناظري جمال وبهاء المدن مسربلة باللون الاخضر ثم سائر الطرق والشوارع مشتعلة بأهزوجة الفرح تتغنى بنشيد الوطني، ثم حاولت كسر زمن ارتحالي بالولوج إلى عالم الانترنت فإذا بكل وسائل التواصل الرقمي يتبارى اعضاؤها على ابداع وسائل التعبير عن فرحتهم بالكلمات والصور والفيديوهات تارة وبالشعر والغناء والرسم وسائر الفنون، ثم أضاءت السماء بجمال الألعاب النارية، وتمازج الشعب بالوطن بالقيادة بالفرح بالعلم والقيم والأخلاق والدين لم ينقص شيئا من هذا لحساب ذاك، بل مضى السهم بنا نحو الأمام نحو رؤية التحول الوطني 2020 فبلغنا مبلغنا قبل ذلك العام فكيف بنا إن بلغناه. 
ولا زال أعداؤنا منشغلون بلا قيد أو شرط بكبح انطلاقة سهمنا، فلا يمنعون راميا عن رميه إلا بإذن الله. 
هم يستخدمون كل أسلحتهم لتقويض اللحمة الشعبية العامة بالشائعات حينا وبالعدوان بغيا أحيانا فلا يفلح لهم من ذلك عمل ولا يرتد الخسران إلا عليهم. 
لقد نسى أحفاد أبي لؤلؤة الغادر أننا أحفاد فرسان الصحراء؛ نعيش اليوم في دولة الرفاهية بعد ان حقق قادتنا واجدادنا دولة الامن فحققنا معادلة السلام والحرب فيجب ان يكون للسلام قوة تحمية فإن دقت طبول الحرب مرقنا لمصارعنا مبتهجين كما فعل أجدادنا.
لا تُهيِّئ كفني ما متُّ بعـدُ!
لم يزلْ في أضلعي برقٌ ورعدُ
أنـا إسلامـي أنا عـزَّتـه
أنا خيلُ الله نحو النصر تعـدو
أنـا تاريخـي ألا تعـرفهُ؟
خالدٌ ينبضُ في روحي وسعـدُ
أنـا صحرائي التي ما هُزِمتْ
كلّمـا استشـهدَ بنـدٌ ثار بنـدُ
ما دعانـا الفتحُ إلا شمخـتْ
هذه الصحـراءُ، فالكثبـان أُسْدُ

ولو سمعوا هذا البيت وعقلوه لفهموا أن أعمالهم كسراب بقيعة؛ ألم يقل عنترة وهو في منتصف ساحة الوغى:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
فجمع النقيضين في قلبه؛ الحب بلطافته وخفته؛ والحرب بقسوتها وعنفها. هذا هو نحن...
جنود متأهبون ولو كنا نتنادم الجمال في بساتين الزهور. فإن دعا الداعي لبينا النداء ولم يغب جمال الورد عن خاطرنا.
نحن خلف قيادتنا -ملكا وولي عهد- فلتسر قيادتنا في ركبها متأكدة من أن الظهر آمن بشعبهم...
والعزة لله من قبل ومن بعد..



الاثنين، 2 سبتمبر 2019

التوازن التشريعي.. متطلبات التطور وضمانات العدالة

تطلق كلمة نظام على كل علاقة مضطردة بين شيئين أو أكثر ، بحيث يتشكل عن تلك العلاقة نسق فيمكننا من خلال التأمل والتدقيق في هذا النسق أن نستخرج القانون الذي يحكم الاتصال بين تلك الأشياء المختلفة (الفعل ورد الفعل). 
أما القانون (باعتباره تشريعا وقواعد سلوك) كنظام فهو يقوم بعملية عكسية، حيث يقصد من وضع القانون انتاج أنساق. فالنظام (بمعناه الواسع ينتج قانونا) والنظام (بمعناه التشريعي ينتج (عن) قانون).
من الضروري أن نفهم ذلك قبل أن نتحدث عن سن القوانين، وضوابط وتقنيات صناعة القانون law making .
الاختلاف بين فن وصناعة التشريع:
تعتبر صناعة التشريع عملية شاملة واسعة بحيث تتضمن فن التشريع؛ صناعة التشريع تتم عبر معرفة واسعة بمبادئ القانون كلازمة ضرورية مع معرفة بنمط المنظومة القانونية (مثل معرفة أنماط الجرائم والعقوبات (قصاص حدود تعازير..) ، ليتم تمييزها عن غيرها من أنماط المنظومات المقارنة الأخرى (جنايات ، جنح ، مخالفات ...على سبيل المثال). وكذلك معرفة مصادر القانون (الشريعة الإسلامية كما هو الحال هنا وما ينبثق عنها من تفاصيل فقهية..)... معرفة نمط المنظومة القانونية هو أول ما يجب أن يوضع في الاعتبار عندما يتم سن القانون (النظام). أما فن التشريع The Art of Legislating
فهو البناء الإبداعي الشكلي للنص القانوني.
فالصناعة هي بناء ميكانيزم القانون والفن هو انبثاق القانون إلى الوجود بطابع جمالي يعكس تكلفة تلك الصناعة.
وعلى هذا ؛ فالتشريع ليس مجرد استنساخ القوانين من الأنظمة الأخرى وإنما قد يحتاج لأحد آليتين:
الأولى: عندما يكون محل التشريع (موضوعه) حديثا أو شديد الالتصاق بخصائص الدولة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية..الخ. فهنا لا سبيل إلى اللجوء إلى الأنظمة المقارنة.
أو إذا لم يكن الموضوع كذلك فالاعتماد على الأنظمة الأجنبية لا يتم فقط عبر القص واللصق بل عبر الدراسات المقارنة المتعمقة، بحيث لا يأتي القانون ناشزا عن المنظومة القانونية المتكاملة للدولة.
والعملية التشريعية في كلتا الحالتين تتم عبر توسيع دائرة البحث النقدي والفكري لتتجاوز علم القانون وتتماس مع باقي العلوم الإنسانية والطبيعية الأخرى. فقانون العمل مثلا يجب أن يمثل فيه العمال وأصحاب العمل والأخصائيين الاجتماعيين والاقتصاديين وفقهاء القانون الدولي العام لتحديد الالتزامات المتبادلة بين العامل ورب العمل. والقوانين التي تنظم العمل الصحي في الدولة تحتاج لوجود قانونيين وإلى جانبهم أطباء وإداريين ومتخصصين في إدارة الموارد البشرية ورجال الدين...الخ.
وهكذا تتكامل صناعة التشريع بفن التشريع وينتج ما يسمى بإبداعية التشريع Legislative Creativity.
لقد اتجه البعض إلى نقد سرعة صناعة القوانين في المملكة والبعض انتقد بطء صناعتها؛ والحقيقة أن عملية صناعة التشريع تحدد زمنها بنفسها بحيث تكون الإطالة الزمنية مفيدة أحيانا أو مناسبة أحيانا أخرى أو ضارة بحسب الأحوال.
يتطلب تطوير القوانين متابعة لصيقة للواقع الداخلي للدولة وللعالم الخارجي (السياسي والتكنولوجي والثقافي) ، كما يتطلب التطوير فوق هذا تلمس الضمانات اللازمة التي لا تحول القانون إلى آلية تبعث على الفوضى بدلا عن النظام أو الظلم بدلا عن العدل.

إن كل ما ذكرناه آنفا ليس سوى ملخص لقضية ضخمة تحتاج لدراسات بحثية عميقة بقدر عمق إشكالية وتعقيدات صناعة التشريع وفنه. وهذا ما يدعوني إلى مناداة كليات القانون ومراكز البحوث القانونية إلى توجيه باحثيها من طلبة الدراسات العليا أو أساتذة الجامعات إلى توجيه أبحاثهم نحو هذه الوجهة في البحوث التركيبية الأكثر فاعلية من البحوث القاعدية المكررة والتي تجتر ما صار معلوما من القانون بالضرورة.


نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية د.فهد بن نائف الطريسي أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف ...