السبت، 15 يوليو 2017

الإرهاب جدل الفكر

الإرهاب جدل الفكر

د.فهد بن نايف الطريسي
أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف


الفكر الإرهابي كالفكر المعتدل يستند إلى تراث عقلي ونقلي  وهو يجتزئ النصوص من سياقاتها العامة ليكون عبرها نظرية خاصة به. فالصراع إذا هو بين تيارين تيار يكون نظرية معتدلة من خلال العقل والنقل وتيار يكون نظرية راديكالية أيضا من خلال العقل والنقل. وتجتذب النظرية الراديكالية قلوب الشباب وتحرك طموحاتهم الأخروية ودوافعهم للانتقال للعالم الآخر. فهل فشلت النظرية المعتدلة في أن تحقق ذات الطموحات الأخروية؟ هذا السؤال يطرح على فقهاء الشريعة الإسلامية، وهذا السؤال يطرح تساؤلا آخر؛ هل يمكن تجديد الفكر الإسلامي بأطروحات جاذبة؟ وما مدى قابلية النصوص للتمدد والإحاطة بنظريات جديدة. هذه هي النقاط الجوهرية والتي بالإجابة الصريحة عليها يمكننا أن نجادل بعدها الفكر الإرهابي بذات وسائله وبشكل أقوى وأكثر فعالية. 
إنني هنا لا أطرح إجابات بل تساؤلات، تاركا الإجابات للمختصين من فقهاء الشريعة الإسلامية، مع العلم أنه يجب ألا ينفردوا بوضع نظرياتهم الفقهية لمواجهة الفكر الإرهابي بل يجب أن يتعاضدوا وكافة علماء العلوم الأخرى، حتى لا تكون النظريات الجديدة منقطعة عن التطورات الإنسانية الأخرى بما يجعلها غير صالحة للتطبيق، أو يجعلها  تسير في اتجاه والمجتمع في اتجاه آخر مختلف.
عندما نقول أن الإرهاب هو نتاج فكري في المقام الأول فهذا ليس فقط تواضعا منا بل هو الحقيقة وهو فوق هذا وذاك بداية العلاج الحقيقي بوضع اليد على الجرح. لماذا يجد بيئته لدينا ؟؟ لماذا يستطيع اجتذاب الكثير من الشرائح والطبقات؟؟ 
والإجابة باختصار أن لديه إجابات تقدم حلولا لتساؤلات بعض الأفراد ، بغض النظر عن صحة أو خطأ هذه الإجابات، فهي إجابات جاذبة. في المقابل ؛ لماذا تكون إجابات الفكر المعتدل غير جاذبة؟ الإجابة؛ ﻷن هناك قصور في هذه الإجابات، قصور من نواحي عديدة؛ من ناحية الاستدلال بالقياس وغيره، وقصور من الناحية الحضارية؛ فهي إجابات لا تواكب التطور الإنساني ، بل أنها -لو نظرنا لها بعين الحياد والموضوعية - سنجدها تنهض على ذات الأرضية التي ينهض عليها الفكر الراديكالي، وتمارس نفس المناهج، ولكنها تصل إلى نتائج مختلفة عبر لي أعناق الحقائق

عندما نقول بأن الإرهاب فكري في أساسه فهذه حقيقة. ويمكننا الارتداد أركيولوجيا إلى العصور الوسطى لنرى ذات الإرهاب بجذوره الفكرية في العهد المسيحي الأوروبي، وكيف توالى الاجتهاد التنويري عبر قرون كانت صعبة وقاسية على الشعوب الأوروبية إلى أن تم اجتثاث هذا الإرهاب عبر فلاسفة عصر التنوير كفولتير وكانط ومونتسكيو وديكارت وغيرهمولا نبتعد كثيرا فلدينا تجاربنا الناجحة في التحديث والإصلاح وخير مثال لها في هذا المجال حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية إضافة لتجربة الملك عبدالعزيز لموجهة التشدد الديني والتصدي له والقضاء عليه.
نحن الآن من المحظوظين ﻷن أمامنا تجارب سابقة، وأرضية تاريخية يمكن أن نقتبسها ونؤسس عليها ولكن من منظور إسلامي وبأدوات إسلامية. فلا يمكن أن يكرر التاريخ نفسه إلا عند الحمقى الذين لا يستفيدون من ماضي الآخرين. 
إن القضية تحتاج إلى فكر معتدل ولكن الأهم من هذا أن يكون هو نفسه متفتح ومنفتح ، متفتح على ما يملكه من تراث إسلامي عظيم وآليات استدلالية متنوعة، ومنفتح على ثقافات وتواريخ الآخرين. وألا يكون أحادي بل مزيج من تفاعل كامل بين رجال الدين وعلماء العلوم الدنيوية الأخرى من الاجتماعيين والطبيعيين.
هنا نكون قد خطونا في الاتجاه الصحيح وهذا ما سيؤتي أكله بعد حين. أما الحلول الوقتية والمتسرعة والتقليدية التي تتعامى عن رؤية منطقة الجرح فهي لن تفضي إلى نتائج تذكر سوى أنها تخلق تصادم حتمي بين الواقع وبين الأحلام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية د.فهد بن نائف الطريسي أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف ...