الخميس، 28 سبتمبر 2017

سلطة القاضي في التجريم والعقاب




مشاركة مني في احد وسائل التواصل الاجتماعي

لا يمكن اتهام الشريعة الاسلامية بالجمود ﻷنه يجب أولا التفرقة بينها باعتبارها مصادر كلية للحكم الشرعي وبين الفقه الذي يستنبط هذه الأحكام ؛ فالجمود لا يرد على الشريعة ولكن يرد على الفقه ومثال ذلك تعريف المال بأنه كل ما حيز بالفعل من أشياء مادية عند الفقه الاسلامي الكلاسيكي ؛ فهذا تعريف فقهي وليس منصوصا عليه في الكتاب ولا في السنة ومن ثم فإن الجمود لا يرد على هذين المصدرين بل على الاستنباط الفقهي ولذلك فإن تعريف الفقهاء للمال إذا كان صالحا في زمانهم فهو غير صالح في زماننا ﻷن المال الآن يرد على الأشياء المعنوية كما يرد على الأشياء المادية ؛ فالأفكار صارت تقوم بالنقود بل هي أخطر من الأشياء المادية ودونك الصراع حول بعض الافكار  والاختراعات بين شركات الحاسب الآلي التي تصل الى مليارات الدولارات. ومثالها تطبيقات الجوال كمشروع اوبر او تكسي كريم او تطبيقات الالعاب الالكترونية .
فهل علينا أن نلتزم بتعريف الفقهاء القدامى الذين يقولون أن السارق إذا سرق كتابا فلا قطع عليه ﻵن ما يحتويه من أفكار ليس بمال؟ أم أن نأخذ بالنظريات الحديثة التي طورها الفقه . هذا من ناحية من ناحية أخرى فإن القول بأن القاضي يملك مرونة في التجريم والعقاب فهذا خطأ جسيم ؛ ذلك أنه ينافي مبدأ المشروعية من ناحية ويقترب من قانون الكلب من ناحية أخرى ، وقانون الكلب لمن لا يعرفه هو أن صاحب الكلب ينتظر الكلب حتى يخطئ فيقوم بمعاقبته فيدرك الكلب -بعد  العقاب- أن سلوكه غير جائز ، وهذا لا يصلح للبشر فالبشر يجب أن نخطرهم -قبل معاقبتهم- بأن سلوكا ما ليس مشروعا قانونا ، فإذا بلغهم العلم بأن النشاط المحدد غير مشروع ورغم ذلك خالفوه فيجب عليهم العقاب ، وسلطة القاضي في التجريم والعقاب على نحو ما نراه تعني أن القاضي يمكنه معاقبة شخص على سلوك لم يكن هذا الأخير يتصور أنه معاقب عليه فقط ﻷن القاضي رأى أن السلوك غير شرعي. إذا فمبدأ المشروعية يحمي الأفراد من تعسف القضاة بوجوب أن لا يعاقب شخص على جريمة الا بنص نافذ قبل ارتكاب الفعل الاجرامي. 

من ناحية أخرى فإن منح القاضي سلطة التجريم والعقاب ينافي المبادئ الدستورية وأهمها الفصل بين السلطات فلا يتحول القاضي إلى مشرع  ونحن نعلم الضمانات الشكلية والموضوعية التي تراعيها السلطة التشريعية قبل سن النصوص وما تراعيه من اتساق المنظومة التشريعية ككل واحد. من جهة أخرى فإن عملية التجريم والعقاب صارت عملية معقدة وتحتاج إلى فنيين ومتخصصين ، والقاضي ليس فنيا ولا متخصصا كجرائم الحاسب الآلي مثلا ، بل أن الجرعة العقابية تحتاج إلى علماء في العقاب والاجتماع وعلم النفس وذلك حتى تكون العقوبة محققة ﻷغراضها المتوخاة منها كتحقيق الردع العام والردع الخاص واعادة تأهيل المجرم ليستطيع الاندماج في الجماعة بحسب مدرسة الدفاع الاجتماعي.. هذا ما عن لي وإن كان الحديث حول هذا الموضوع يطول شرحه وتفصيله مما يحتاج إلى سانحة أكبر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية د.فهد بن نائف الطريسي أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف ...