الخميس، 28 سبتمبر 2017

حادثة الحرم النبوي والارهاب والتعليم




حادثة الحرم النبوي والارهاب والتعليم

نشر في جريدة الرياض الاحد 5 شوال 1437 الموافق 10 يوليو 2016

كان حادث التفجير قريبا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبجوار قبره الشريف وقبر صاحبيه عليهما رضوان الله أمراً مروعاً لم يتخيل المسلمون حدوثه مهما وصل بالمجرمين الانحراف والحقد والبغضاء والتوحش  فبين باك من هول الحدث وبين متضرع بالدعاء أن ينتقم الله من الفاعل والداعم والمحرض ، يقف وسط هذا المشهد رجال الأمن  بكل حزم مضحين بأرواحهم  ومكافحين  لذيول انهزامية هذا الفكر. تقبل الله جنودنا الشهداء ونصر الله المرابطين على تحقيق الامن  والامان لهذه البلاد المقدسة 

جميعنا يعلم فضل مدينة رسول الله طيبة الطيبة وأنا وغيري  نتساءل عن الكيفية التي يغسل بها دماغ فتى غض  إلى درجة أن يفجر نفسه في مكان مقدس مثل ماحدث في المدينة المنورة ؟ وإجابة هذا التساؤل لا املكها كلها بل أعتقد أن جميع المتخصصين قد حار بهم الأمر وأسقط في يدهم . ولكني أقول أن أحد الأسباب المهمة هي مناهج التعليم ، ولا أقصد بذلك المناهج الدينية ، بل أقصد النسق العام للتعليم  من ضمنه المناهج ؛  ففي التعليم ما قبل الجامعي يعتمد الأمر كله على الحفظ والتسميع ، فلا يوجد تدريب على التفكير الحر والعصف الذهني ولا على المناظرات الفكرية ولا المجادلات المنطقية ، لم يتعلم الصغار أن الحقائق نسبية ، بل هي بالنسبة لهم مطلقة ﻷنهم يتلقون المعلومة ولا يتلقون نقيضها ، فتبدوا الحقائق كلها مصمتة ومطلقة ، لم يتمرن الأطفال على فكرة الشك، فالشك هو أول خطوات البحث عن المعرفة ، بل أن معرفة الله سبحانه وتعالى بدأت بشك أبو الأنبياء سيدنا ابراهيم عليه السلام عندما شك  في الوهية الشمس والقمر والأصنام إلى أن وصل الى معرفة الله وهي المعرفة الكبرى . إن التعليم يجب ألا يمنحنا ثقة مطلقة في الحقائق والمعارف بل على العكس يجب أن يؤكد أن لكل حقيقة وجهها المخالف وأن كل معرفة تتمتع بوجود نسبي. 
أما التعليم الجامعي  ؛ إن هو إلا استمرار في مناهج التلقين ، فلا يوجد تدريب على المناظرات العلمية ولا على السجالات المعرفية ، ولا المناقشات الجدلية ، بل تعليم منهجي صلب ، تلقيني وتخزيني ، حيث يطلب من الطالب أن يحفظ ويخزن المعلومات كحقائق مطلقة ، لقد شاهدت محاضرات لجامعات غربية  تدرب الطالب على التفكير الذاتي وهناك برامج للمناظرات حول مواضيع مختلفة ونقاشات محتدمة حول إشكاليات قديمة وآنية واجهها ويواجهها الفكر الانساني.
إن تفجير المدينة المنورة هو نتاج عقلية  قطعية (دوغمائية ) لم تتدرب على التفكير النقدي ، ونحن نعرف أن البيئة المثالية للإرهاب هي البيئة الجاهلة . وتعليمنا يكرس لهذا الجهل ولذلك فمن المطلوب الآن تحويل المؤسسات التعليمية إلى مؤسسات لتحويل العقل -أي عقل الطالب- إلى عقل نقدي ، باحث ، قلق ، يعلم أنه كما أن البدر مضيئ فإن للقمر وجه آخر مظلم . 

ومن أسباب الإرهاب والمرتبطة بالتعليم الديني ؛ هي عدم التعمق في فكر الاختلاف ؛ ذلك أن الفقهاء رضي الله عنهم قد بينوا لنا أن الاختلاف رحمة وأن كل رجل يؤخذ ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام كما قال أبو حنيفة (نحن رجال وهم رجال) ، فللأسف لا يعكس التعليم الديني سوى رأي واحد نهائي ، ولا يبين الإختلافات الفقهية حول الفروع الفقهية المختلفة ، فاختلاف الفقهاء ليس رحمة فقط ﻷنه يمنحنا عدة طرق لحل المشاكل ، بل أيضا ﻷنه يعلمنا أن الفقه رأي ورأي آخر ويعود بنا إلى نسبية الحقائق. إن الأمن الفكري ليس فقط دفع الشبهات ومدافعة الفكر المتطرف بل هو في تغيير مناهج التعليم الأساسي والجامعي بل وحتى التعليم فوق الجامعي ؛ فلقد رأيت ومن خلال تجربتي العملية وجود باحثين متشددين أيما تشدد في بحوثهم العلمية ، فهم يأخذون بالرأي العسير ويتركون اليسير رغم أن الدين يسر وليس عسر وأن الأصل في الأشياء الإباحة وليس القيد والحظر والمنع ، فهذه كلها أصول وضعها الأصوليون الأقدمون لكي تعين الفقيه على أمره ليعين السائلين من أمة الإسلام.

د. فهد بن نايف الطريسي
استاذ القانون المشارك، جامعة الطائف


رد على مشاركة من زميل افتقدت تعليقه ووجدت ردي

بالنسبة للنقطة الأولى فابتدر ردي بقول الغزالي رحمه الله فى خاتمة كتابه: "ميزان العمل" ، أن "الشكوك هى الموصلة إلى الحق فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقى فى العمى والضلالة"
فالشك ومبدأه كان قبل ديكارت ؛ وهناك نوعان من الشك ؛ شك مذهبي وشك منهجي ، أما الأول فإن الغرض منه هو تقويض أي حقيقة ممكنة وأما الثاني فالغرض منه هو الوصول إلى اليقين . واليقين هو الاقرار بصحة موقف معين والتأكد من صحته بالأدلة والبراهين والحجة . أما شك بروتاغوراس فكان من النوع الأول فهو من قال أن الإنسان مقياس كل شيء. من ما سبق فإننا لا نقصد بشك ابراهيم عليه السلام خروجه عن منطقة اليقين ولكن سيدنا ابراهيم بدأ رحلته إلى الإيمان بالشك ، فهو شك في الأصنام بادئ ذي بدء ، ثم اعتقد في القمر قبل أن يلفظه وكذا في الشمس قبل أن يشك بها وكذا في سائر الكواكب لم يصل إلى اليقين فكانت رحلته رحلة شك في البدايات وقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة  : أن رسول الله  قال: " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : ( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) [ البقرة : 260 ]، ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد، ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي". أعتقد الكثير من المفسرين أن اعتبار سيدنا ابراهيم قد شك -في هذه الآية-منقصة منه ، ولكننا نرى عكس ذلك فابراهيم لم يشك في الامكان بل في الكيف لتدعيم يقينه ولذلك قال أرني (كيف) تحيي الموتى . فابراهيم لم يشك شكا مذهبيا بل ولا حتى منهجيا بل كان يبغى الوصول الى اليقين ولكن لا ينفي هذا أن رحلة سيدنا ابراهيم بدأت مع الشك في الأصنام والشمس والقمر وخلافه.
بالنسبة للنقطة الثانية وهي نسبية الحقائق ؛ فهي مرحلة ما قبل اليقين أما إن بلغنا اليقين فتلك قضية أخرى . بالنسبة للعقيدة والدين فالأصل فيها -بعد الفطرة-التوريث والذين يعتمدون على التوريث لا يشكون بل يؤمنون بما آمن به آباؤهم ولا يتساءلون ﻷن وجه الحقيقة عندهم مطلق ، وهؤلاء لو أنهم تركوا المطلق واعتقدوا في نسبية ما يملكون لبلغوا الدين الحق ولذلك تجد أن من يسلم من الغربيين يكون أكثر امساكا بجمرة الدين من غيره ﻷنه لم يصل الى المطلق إلا من خلال النسبي . ومن جهة ثانية فإن ماهو مطلق لنا نسبي لغيرنا وماهو مطلق لغيرنا نسبي لنا فهذه من ابتلاءات الله تعالى للإنسان  ولذلك قال تعالى (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين) الأنعام 35. فأنظر كيف أن الله تعالى قد نعت من يخالف النسبية عند البشر بالجهل ، وهي النسبية التي أدت الى تنوع الأديان والمذاهب والطوائف كل بما لديهم فرحون . 

أما بالنسبة لنقطة هم رجال ونحن رجال ، فالحق فيها أن العلم له ثلاث مراتب أولاها مرتبة علم الخاصة وثانيهما مرتبة علم العوام وبينهما مرتبة وسطى ﻷنصاف العلماء وأنصاف المفكرين وبالتالي فإن القصد من جملة نحن رجال وهم رجال ليس أن ننخفض بمرتبة العلم الى معرفة العوام وهذا مما هو معلوم بالضرورة من سياق الحديث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية

نطاق تجريم التأييد والتعاطف مع الجماعات الإرهابية د.فهد بن نائف الطريسي أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف ...