حادثة القديح
دكتور فهد بن نايف الطريسي
في الحقيقة إن كثير ما يؤلمنا هذه الأيام هي
تلك التفجيرات والحوادث الإرهابية التي نسمع عنها ونشاهدها عبر وسائل الإعلام
المختلفة، والتي يروح ضحيتها العديد من الأبرياء، ولعل أخر تلك التفجيرات تلك التي
استهدفت مسجد علي بن أبي طالب ببلبدة القديح في محافظة القطيف.
هذه الحوادث الإرهابية والطائفية جعلت من
الإسلام صورة مشوهة لدى الأوساط العالمية، وعبر العديد من المحافل الدولية، فهم
يرون أن المسلمين طلاب حرب متوحشون لا يعرفون سلاماً ولا يقيمون للحضارة ولا
المدنية اعتباراً.
ونحن نرى أن هذه الصورة المتداولة قد تعاونت
عديد من العوامل على إرسائها وتدعيمها، هذه العوامل بعضها خارجي وبعضها داخلي،
ولعل من أبرز العوامل الداخلية هي الممارسات الخاطئة لجماعات مسلمة - أو على الأقل
تدعي الإسلام- نهجت طريق العنف سبيلاً، وسلكت طريق العنف المسلح طريقاً بذريعة أنه
إعلان للجهاد، في الوقت الذي أسقطت فيه ركيزة من ركائز المجتمع الإسلامي في نهج
طريق السلام، ومعايشة الآخر والالتقاء معه على كلمة سواء لإرساء ثقافة السلام،
وتحقيق خلافة البشر في هذا الكون من أجل إعماره، ونهوضه والارتقاء به.
ومن أبرز تلك الجماعات في الوقت الحالي
جماعة داعش الإرهابية، ونحن لا نستبعد أن تكون داعش وراء تلك الأحداث، لا سيما أن
أفراد الخلية التي ارتكبت حادث القديح تنوعت مهامهم وأدوارهم – بحسب بيان الداخلية
- ما بين تبني فكر تنظيم داعش الإرهابي، والدعاية له، وتجنيد الأتباع خاصة صغار
السن، وجمع الأموال لتمويل عملياتهم، ورصد تحركات رجال أمن وعدد من المواقع
الحيوية، والتستر على المطلوبين أمنياً، وتوفير المأوى لهم ومن ضمنهم منفذ العملية
الانتحارية ببلدة القديح.
ولا شك أن هدف تلك التفجيرات هو خلق صراع
طائفي، والذي إذا انتشر في مجتمع ما سيأكل اليأبس والأخضر، ولعل ما يحدث الآن في
عالمنا العربي ليس ببعيد، ومن وجهة نظرنا أن الذي ساعد على الشحن الطائفي بين
السنة والشيعة في المملكة العربية السعودية هو الإعلام وبعض المناهج الدراسية التي
نرى أنها في حاجة إلى التنقيح والتطوير، بما يتواكب مع ضرورات ومتطلبات العصر،
ومنهج الشريعة الإسلامية في تحقيق السلام ليس على الصعيد الوطني فحسب ولكن أيضاً
على الصعيد العالمي.
لا سيما وأن دعوة الإسلام ناصحة جلية بنصوص
محكمة وقاطعة، وذلك متمثل في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الآية 208 من سورة البقرة]، وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ
آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ
وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الآية 82 من سورة الأنعام].
ويجب أن يدرك جميع طوائف الشعب السعودي أن من
قام بهذا العمل الوضيع لم يستهدف فئة أو طائفة معينة، بل هو عمل إجرامي معاقب عليه
شرعاً وقانوناً، هدفه زعزعة الأمن والاستقرار في بلم الأمن والآمان، واستخدام
الشحن الطائفي لتحقيق أهدافه ومآربه في نشر الإرهاب.
وختاماً أدعو الجميع إلى العمل الجاد لتعزيز
الثقة بين جميع مكونات مجتمع المملكة العربية السعودية، أدعو الجميع إلى التسامح،
والتعايش السلمي والتقارب لينعموا بالسلام والأمان، أدعو الجميع إلى التعاون من
أجل القضاء على الإرهاب ولا سيما الإرهاب الفكري، وكذلك التطرف الديني، أدعو
الجميع على التأكيد على دور وأهمية وحدة النسيج الاجتماعي بتجريم الطائفية وكل ما
يكدر صفو السلم الاجتماعي، أدعو الأم المسلمة أن تغرس في أبنائها قيم الاعتدال
الإسلامي، وفي النهاية أدعوا الجميع إلى إرساء دعائم المواطنة على أساس تمتع
الجميع بالحقوق والواجبات وعدم التمييز والتفرقة بين مختلف طوائف الشعب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق